أحمد نويهي

أحمد نويهي

تابعنى على

الأغنيات ما تبقى من روح الإنسانية

Wednesday 14 February 2024 الساعة 10:06 am

في وجدان الشعوب كانت الأغنية ترجمة نصية فورية لمشاعر الإنسان مهما تباينت اللغات واللهجات، واللكنات فقد حمل الأثير من الخرطوم الهادي آدم وأغنيته الخالدة والتي أصبحت فاتحة الكتاب:

 أغداً ألقاك؟ يا خوف فؤادي من غدي. 

في الأدب العالمي ذاعت سيمفونيات بيتهوفن وهو المصاب بمتلازمة لم تقف حائلا بينه وبين المستمع على خارطة الوجود، الفن بمختلف ألوانه من التشكيل إلى الحفر على الزجاج والرسم بالزيت والكتابة بخطوط مختلفة خلخلت البعد والمسافات الشاسعة بين الأوردية والمهرية والمسند والخط المسماري والكوفي والرقعة وكتاب الهوى الذي تركه للبشرية بلغات شتى الرائع الكاتب الإنجليزي وليام شكسبير في روميو وجوليت وأصبحت القصة والرواية أساساً لتعليم وتعلم الإنجليزية إذ يقال إن "الإنجليزية ولدت في أيرلندا وترعرت في أمريكا وانتحرت في الهند".

صارت اللغة القاسم المشترك بين الشعوب على اختلاف اللون والمعتقد والمذهب، الأغنية المود العابر للزمان والمكان والحامل الثقافي للوجدان. 

اشتهرت عالمياً لوحات فان جوخ وحنظلة للريشة العالمي والفنان الفسطيني ناجي العلي الذي اغتاله الموساد -جهاز الاستخبارات الإسرائيلي- لشعور الكيان الصهيوني بعالمية حنظلة ضداً للاحتلال والاستيطان ومذابح وحشية ضداً للفطرة الإنسانية ومقررات مؤتمر جنيف، ووثيقة الثورة الفرنسية لحقوق الإنسان، انتشرت رواية البؤساء لفيكتور هيجو تحكي عن سقوط الباستيل وانتشرت على مختلف الألسن والبلدان رواية عن الموكا _المخا بلاد العربية السعيدة- واشتهرت القهوة اليمنية عالمياً ووصلت رحلات استكشافية أوائل القرن السادس عشر الميلادي واكتشف الهنود عدن ووصلوا إليها بسبب هبوب الرياح الموسمية على بحر العرب ولهذا سكن الهنود حافة وحانة وحارة اليمن على ساحل البحر الأحمر جوار قلعة الحديدة التاريخية على مسافة من ميناء المدينة التجاري. سكن الهنود عدن والمكلا أقدم حواضن البشرية قبل أن تصبح عدن مستعمرة وقاعدة للإنجليز وذوبت الشموس المنسدلة من فوق جبل شمسان الجلود والمذاهب والمعتقدات، إذ أصبحوا جزءاً من نسيج عالمي شكل الهوية وتشكلوا معها، إذ غدت المدينة "كوزمبلوتية" بالمعنى الذي حمله علم الأنثربولوجيا الذي يستنطق الكائنات والحجر والشجر وملامح الوجوه والأسانيد الشاهقة لصواري البحر.

بحر الطرب الذي تربض جزيرة الأساطير سقطرى على مسافة ما بين الأنامل والكفوف والدفوف ليصطخب المد والموج على ترددات أمواج بحر العرب الذي يمتد حتى مضيق باب المندب وهناك يعبر العالم دونما انقطاع والباب عالمي النشأة والتكوين يسمح بتدفق ما نسبته 70% من التجارة العالمية. 

صار البحر بحرين: بحر الهوى، وبحر الطرب وبينهما يتردد الموج، ينتظم الإيقاع بلغات البحارة والعالم اليوم ينظر ويرى أن اليمن بحر ولا غير، استناداً إلى خارطة الهوى والطرب الممتد من حوف حتى ميدي وبينهما يعبر المود الذي حمل اليمن عبر نشيد البحارة والأغنيات مواويل وموال السفر.

"يا مركب الهند يابو دجلين ياليتني كنت ربانه باكتب على صفحتك سطرين اسمه حبيبي وعنوانه". 

بين الزمن والمكان يحدث الوصل والتواصل والاتصال من كمران جزيرة بالقرب من الشطوط الباعثة على الحياة على سواحل البحر الأحمر إلى جزيرة ميون _بروم لاند وهذه الحاكم ولا سواها التي تحكم عبور المضيق الدولي ولا تسمح بصد السفن العالمية، إذ هذا الباب لا يغلق كما تغني فيروز للأخوين رحباني "لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأقرع ها الأبواب". 

تعبر السفن التي تحمل الخمر والنبيذ من مصانع الشرق والغرب والزيت المتدفق من نهر وأنهار مدن الملح عند الخليج العربي وما زالت حوزات "قُم" تنازع الخرائط لترسم على اعتباره الخليج العربي وقد سماه ناصر الزعيم وغنى عبدالوهاب للجهاد على خط الرابع من حزيران 1967 عندما حدثت نكسة الجيوش العربية في مواجهة الكيان العبري الصهيوني الغاصب. غنى موسيقار الأجيال. 

"أخي جاوز الظالمون المدى وحق الجهاد وحق الفدا". 

وقبل هذه الاوركسترا كان قد عزف أناشيد السماء للجيش العربي المصري: 

"دقت ساعة العمل الثوري بكفاح الأحرار تعلن زحف الوطن العربي بكفاحه الجبار".

وهذه كانت ثورة والقضية لا تموت ولا تزول. قبل هذا كانت أنشودة وما زالت ترددها طوابير المدارس كل صباح تشرق فيها الحياة والحرية

"الله أكبر يا بلادي كبري" وهذا نشيد العرب من طنجة إلى تطوان.

عاد عبدالناصر إلى المسرح والسينما والتلفزيون والإذاعة والثقافة ليستعيض بهذه الأدوات التي أدرك أهميتها باكراً لتأسيس حرب استنزاف مفتوحة مع الصهيونية العالمية وأدواتها العسكرية المميتة، كان يسمح بتدفق كتب نزار قباني بعدما مَنعت الاستخبارات العربية نزار قباني من دخول مصر وصلت رسالة شاعر كان رد الزعيم مقتضباً وأوجز محتوى رسالة شاعر شاهراً سيف المقاومة في وجه الكيان. 

كتب ناصر في بريد مكتبه "دعوا نزار يكتب ما شاء فهو يكتب بسيف العروبة النابض".

تعود عدن كأغنية لتغدو ثورة "برع يا استعمار برع". 

 وقد غنى أحمد قاسم بلكنة مصرية في عدن وذهب إلى القاهرة لينتج فيلما سينمائيا اشتهر عنوانه، إذ ربما في ذلك الزمن ما زالت إلى اليوم لا فيلم سينمائي أنتج ودون على اعتباره يمنيا عدا أفلام قصيرة زمن السوشيال ميديا. 

لا سينما وعبدالله العديني الشيخ المتطرف ممثل لدائرة شعب تعز وقد تراجعت تعز عن سقف الحقوق والحريات في المستنقع المذهبي والتطييف، الإرهاب القاتم والقادم من مستنقعات الفاشية الدينية التي  تتمدد وأول المجَرَّم والمحرَّم الأغاني والتهاني والمقاهي وحفلات التخرج الطلابية وقادماً سيتم اعتقال كل عروس تتعرى لعشيقها ليلة الدخلة، هكذا تقول المؤشرات والمؤثرات الوافدة من نوافذ التطرف وأبواب الإرهاب الداعشي بصحراء الوهم الرجعي المتكدس في عقول وحقول النقل المقرطس. 

تمرق السفن تتزود بالوقود عند رصيف السياح في التواهي لتواصل السير على شطوط بحر الطرب حتى بحر الهوى والهوى عند باب المندب صار اليوم قضية ماسة وجداً حساسة، إذ يجوس المجوس الديار ويحرقون أزاهيرنا والشطوط. 

"ليس منا أبداً من يزرع النار في أزهارنا كي تحرقا".

هكذا غنى الفضول وتغنى، تقدس سره المُلهم والعود العازف والعارف أيوب طارش، غنى الشاعر عبدالله عبدالوهاب نعمان للوطن وكانت عزيزة بنت النعمان عشقه والهيام السرمد والأبد، سليل نسل الغيوم، وقهقهات البروق التي تحالفت وتألفت وتألقت بصدر الشاعر موعدا على حافة النهر نهر الدموع الذي سيصير لاحقاً نهر الضباب الممتد على الطريق الواصل بين مدينة التربة ومدينة تعز، تذكر وتحكي عزيرة وهي تدون وتوثق قصة الأشواق وفيض الروح يهمي في خريف العمر وقد غاب النجم وتوارى، لكنها تعيش على إرث تنازعته المطامع والأهواء وحُرم الجمهور من الاستمتاع بمكنونها الزاخر لكنها عزيزة النفس تأبى أن تخوض في ما لا يجب لكأنها كانت الحبيبة التي وسط داري يحوم. 

"لا تشرق الشمس على دارنا إلا وضمتها 

إلينا ضموم يطوف حولنا طواف القدوم".

"حسنك لعب بالعقول وأنا مروح ضحية 

وتحت نحرك حمول فواكهه مستوية".. وهذه البداية والنهاية كما يرويها العود العارف والناسف لوهم وشائعات التخاريف عبدالباسط عبسي وهو يدندن بصوت خرافي في مجلسه ذات لقاء كان الطرب والقصيدة والأغنيات لسان حال عن عبده علي ذبحاني والقصيدة التي صارت الأغنية العليلة واليتيمة إذ حاول معه والفتيح لكنه لم يعد يقوى وهو العائد إلى ذبحان موطنه والهوى.

"لما لما عد اجيت ماعاد معك؟ 

في طية النسيان قلبي أودعك 

بدلت عني في الهوى ما اظلمك". 

يحكي تزاحم الشعراء ويؤكد أنه لم يكن حصرياً للشاعر الدكتور سلطان الصريمي الذي غنى له وتغنى بقلبه للشاعر المتفرد صاحب الأغنية التي التقطها ولَحَنها من رصيف المطراق "وابابور جباني لأنت تباني شلني معك عدن ساني"، بينما كُنا نسير وقت الظهيرة كانت فتيات مهمشات يرفعن الصوت لجذب انتباه العابرين في محاولة لاستعطافهم ليحصلن على بعض الريالات وكان الشاعر عبدالله غدوه ابن تهامة يرهف السمع ويلتقط لحنا صار لأغنية "محلا أم عيد وامحبوب سامر قبالي".

غنى عبدالباسط للأمنيات اللائي حملها المسافر إلى حيث اللامدينة الراحل. 

مؤخراً الأستاذ أحمد الجابري:

أشتي أسافر بلاد ما تعرف إلا الحب العيش فيها وداد والبعد فيها قرب أينا شلاقي؟ 

ويستوقفني والحديث للعبسي عبدالباسط الذي حمل لقب البلاد بدون أل التعريف وكذلك الأستاذ أيوب طارش عبسي في ظاهرة متفردة بين الأعبوس الذين اختفى معظمهم بسبب انتساب شاعر قصيدة النثر "تاج النهار" لبلاد حملتهم إلى المنافي والمعتقلات والمقاصل والإخفاء القسري. عاد عبدالباسط عبسي يحكي عن الصريمي وقد حمل إليه ذات ليل وبهجة وكاذي ومشموم والأغاني تشرح المكتوب في الحديدة، حمل إليه استمارة تنسيب للحزب الاشتراكي اليمني فرع الشمال كان حزب الوحدة الشعبية وقد فطن العارف والعازف لمعنى الانتساب أيام العمل السري والحزبي المحرم والمجرم بنظام الشمال مطلع ثمانينات القرن الفارط. كان حصيفاً والصريمي يطلب توقيعه وصورة شخصية 4×6.

كان يقول: أنا اشتراكي بالفطرة ولو انتسبت بواسطة هذه الورقة معناه أنني غادرت الحزب ولم أعد اشتراكي. 

اختمرت الإجابة بخيال ومخيال الصريمي الذي كتب "نشوان" في المطراق. والمطراق الحي الشعبي والتجاري المعتق الذي يؤدي إلى باب مشرف عند قلعة الحديدة مروراً بالمركز الثقافي الذي عاش العزي مصوعي يرعش صوتياته يقابله على منبر الجامع الكبير الشيخ عمر أحمد سيف شيخ الإسلام وصديق الزعيم الراحل علي صالح. 

العزي مصوعي الذي يهدر كمثل موج البحر نظماً وهو تلميذ مدرسة الأشاعرة، إذ في زيارة للزعيم منتصف ثمانينيات القرن الفارط أثناء مهرجان الحسينية الذي حرص رئيس الجمهورية طوال عهده بالرئاسة على تشجيعه ودعمه وإسناده والإشهار إعلامياً لفعاليته المتنوعة التي تحمل ثقافة تهامة والساحل إلى البلاد والعالم أجمعين.

دوى تصفيق حار والعزي مصوعي مدير مكتب الثقافة في عاصمة تهامة الميناء التجاري الهام، حين صدح بشاعرية مفرطة في عشق الرئيس الذي خلع ساعته ليقلده كتقليد اختطه الزعماء العرب تعبيراً عن مدى وشديد الإعجاب والتكريم:

"علي أنت بحرُ وأنا فيك أم زورقو" والواو التهامية لغة عربية فصحى. 

عاود الفضول يرغي ويروي للظمأ طول العطش الذي استبده، وقت راح يشعل موقد بخور عند هضبة صبران التي ترقد "ذا لقيان" والتِربة وذُبحان عند سفوحها المطلة على جبل منيف وجبل بيحان وتشرف من علو شاهق على مطران وهناك يتكاثف الضباب ويهمي، يهطل السرو والزهو، تشطح على التراب  مشاتل. 

سكن الأستاذ النعمان التُربة وسط ذُبحان ومنها رفع الآنة الأولى ضداً للاستبداد والرجعية والتخلف والجهل فذاع سره وانتشرت أخباره فكانت ثورة 48 ضداً للكهنوت وقد فصل الشيخ علي ناصر القردعي وهو الشاعر والمغني الثائر السلالة بطلقة واحدة انتظمت كقانون للغناء بعدها وليس غير تتالت الثورة حتى دوى دعاء كما يغني العارف والعازف علي بن علي صبرة. 

عاشت عزيزة تراود الفتى المراهق الثوري الجمهوري الفذ نجل شهيد ثورة الدستوريين، عاشت عزيزة محرابا تقدس ذكره في كتاب الأغاني وقد أشعلت بقلب المحب وجدا وصبابة وهياما، حتى توسط لدى والدها القاضي رئيس المجلس الجمهوري لقبول الشاعر الفضول زوجاً محباً ذلك العاشق المفتون والمجنون. 

قال يومها القاضي وقد شاع عنه ظرافته وطرفته وروحه اللدنة قال ولا نزوجه أبداً خلونا نستمتع ونددن ونغني. ما لاقد زوجناه من عاد بايغني؟ 

فكانت زيارة القاضي الإرياني لمنزل والد عزيزة القول الفصل وتم للعاشق الاقتران وراح يمارس الهيام مرة أخرى إذ أشرقت كعبة من الحسن كم قلبي إليها هفا كم حجها كم زارها كم عاش فيها يطوف. 

أضواءها ملء آفاقي كأن الضحى ملكي ألفه وسط روحي لفوف. 

وهنوا لقلبي عند قلبي ضيوف وباركوا حبي وقوموا وقوف. 

"من أراد الحج قربى فالصراهم خير تُربة" وهذا قول مأثور تناقله الناس عن تبركهم بمقامات الأولياء والنذور بحثاً 

عن ملاذات ومتاع ونذور وفك طلاسم المحبين والمغربين والمبعدين ومجمل هذه الأمراض تداويها الموسيقى تقنيناً والأغنيات علاج ناجع ويؤكد شهود عصر على أن الاغنيات دليل على حالة تمدن تحضر لا تغيب. 

أفتش في حنايا الروح عن رجع أغنية تنبوء عن الآتي والزمن الذي لم نعش بعد.

في صوت منى علي والكلمات ليست منمقة وذات سبك لغوي يستدعي أن يعقد مجمع اللغة العربية في مقر رئيس ووحيد ويتيم على طول خارطة الناطقين بالعربية من مكناس وحتى فاس وبرقة، وصفاقس مروراً بطرابلس الغرب وحتى أغادير وكازبلانكا وتونس بلاد الغزلان البيضاء وطنجة حيث للمدينة إذاعة تبث منذ زمن غير بعيد برامج ثقافية تفرد للأغنيات مساحة شاسعة، يذكر مجدي العمروسي وهذا الفنان والوريث الحصري لكل نتاج حليم ومعبودة الجماهير وقد أوصاه الشاب الذي قضمت البلهارسيا كبده ليعيش دورة صُفار ويَرقان امتدت منذ وصل مطار-الرحبة الدولي أثناء مرافقة وفد وفريق فني ابتعثه ناصر للمشاركة في إسناد ثورة سبتمبر العظيم. 

غنى حليم إلى جوار فايدة كامل والتي ظلت غنوتها والنشيد تصدح من إذاعة صنعاء طوال العهد الجمهوري العتيق وقد تنهدت عميق عبق ثورة البن في بلاد العربية السعيدة إذ سارع ثوار سبتمبر في نقش شجرة البن داخل النسر السبئي الذي يشكل الطير الجمهوري إلى جوار السارية التي يرفل عليها العلم الجمهوري رمز الثورة والدولة والجمهورية والوطن إلى جوار النشيد السلام الوطني في صكوك دولة وهذه الثلاثية التي تشكل الهوية والقضية والجمهورية. 

عاد مجمع اللغة العربية ليعقد اجتماعا لأعلى هيئة تديره وسط القاهرة. 

قرر الاجتماع توجيه العتب واللوم وخطاب صرف وصارم للفنان محمد عبدالوهاب بسبب قضية تمس الأمن القومي العربي من المحيط إلى الخليج وأن المساس بها سيؤدي إلى انهيار السد العالي وربما ينحسر نهرالنيل وذلك بسبب أن  موسيقار الأجيال فتح في محل ضم في رائعة علي محمود طه الجندول:

أين في عينيك هاتيك المجال يا عروس البحر يا حلم الخيال؟ 

وربما كسر في محل نصب في قصيدة النهر الخالد رائعة الشاعر الكبير محمود حسن إسماعيل زميل ورفيق عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين في عضوية المجمع اللغوي. 

مسافر زاده الخيال

ظمآن والكأس في يديه

شابت على رأسه التلال

وضيعت عمرها الجبال. 

غنى حليم ووقف على المسرح في دمشق أثناء حرب العبور وكان قد اتخذ قسماً ثورياً ألا يغني في أي دولة أو مملكة إلا وقد غنى نشيد الروح الذي يرفع لدنه منسوب الانتماء ويعزز موقف الجيش المصري الذي يقاتل في سيناء وبور سعيد وفي جبال اليمن. 

كان جهاز الاستخبارات العربي السوري قد اعترض على النشيد سرعان ما تلافى وزير الثقافة السوري وأبلغ الرئاسة يومها قال: دعوا حليم يغني ما شاء. 

كان حافظ الأسد يأمر بقطع نشرة الأخبار لتبث دمشق حفلة حليم على الهواء مباشر. 

أحلف بسماها وترابها. 

كان النشيد نشيجا يرغي من النيل إلى ميون إلى سينما ريجن وسط خور مكسر إلى سينما بلقيس وسط ميدان التحرير بصنعاء. غنى الزمان ودندن. 

عدن عدن ياليت عدن مسير يوم. 

غنى نشيد علي السمة وقبل هذا غنى أحمد السنيدار والسنيدار قيوم الجامع بلغة عثمانية إذ حرم من التركة حيث وغنى رائعة البهاء زهير:

ولو خيروني بين هواك وبين الثرى. 

اختار أن يغني ولا زال يرعش على مسرح البادري بصوت يدوي عميق الجبل في معاشيق حضن شمسان. 

عشت يا ردفان يا مشعلاً ثائر.. 

غنى في الشام وتطوان وحلوان حليم الذي رفض قراءة بيان الانقلاب ضد ملك المغرب الحسن الثاني أمير المؤمنين، حيث كان يومها داخل الاستيديو يغني بروفات لحفلة كازبلانكا موسم الربيع. 

كان المرشد يغني في حفلات الموسم في الكويت والكويت مزاج ومذاق ونكهة الفن وعوض الدوخي يمني، حيث عاد كرامة مرسال من الكويت وأبوبكر سالم بلفقيه الذي غنى من كلمات الأثير والشاعر المرهف الشهيد فائق عبدالجليل الذي قضى أثناء اجتياح الجيش العراقي دولة الكويت مطلع أغسطس آب 1990.

أنا بكل المدن مريت 

وأنا من غربتي مليت

اتبع وهم ابكي نغم 

تايه يا عمري سنين 

كان لطفي جعفر أمان قد كتب رائعته التي غناها وتغنى بها المسرح الكويتي وتذوقها إذ كان أبو علي لا يغني إلا وقد أصبحت لازمة فنية"أنا الشعب زلزلة عاتية ستخمد نيرانهم غضبتي أنا الشعب" يبدأ بها قبل  يغني الجديد الذي كان يحمله إلى جمهوره الواسع والشاسع على طول خارطة "مدن الملح " وهذا عنوان لافت وبارز للراحل القاص والروائي السعودي الرفيق عبدالرحمن منيف. 

من خليج عدن إلى خليج سرت إلى خليج العقبة إلى صلالة وجدة وعسير حمل محمد مرشد ناجي عود الطرب وأتخم مسامع الجمهور بما يشنف الآذان ويرفع منسوب الشعور والوجدان. 

يا لنهر النيل يروي كل قلب عربي

اقفزي من قمة الطود  لأعلى الشهب 

يا لأوراس سلا ظنكي في ليبيا والمغرب 

يا لصنعاء يحمي قدسها الف نبي 

غنى فريد الأطرش وهو الأمير القادم إلى القاهرة وبمعيته أسمهان التي سبقت الست كوكب الشرق لتقع ضحية لعبة استخباراتية وتذهب في ترعة على النيل لتعيش الأغنيات إذ لا زالت أسمهان تغني بأقصى ما لديها من الموال في ليل تتمايل الضفائر وتتشابك الأنامل وهذا السفير عبده عثمان يغني على سواحل عدن: 

يا محَسن السمرة واحد لواحد 

شدوا الصدور وطروحوا السواعد

والعين وسط العين تقرأ القصايد 

يا حلو يا أخضر اللون

من أمس أنا أحلم وأتمنى ذا اليوم. 

غنى فريد "بساط الريح يابو الجناحين مراكش فين وتونس فين أنا لي هناك حبيب وأتنين وبعادهم عني قراب شهرين،وروح يا بساط على بغداد بلاد خيرات بلاد أمجاد".

وغنى مطهر بن علي الإرياني الذي كتب بالمسند وفكك ما استعصى من نقش وهو الأنثربولوجي الثائر والعقل والقلب العاشق على كل الثرى والهوى والبحر والتراب.

غنى للهوى وتغنى معه العاملك والجندي والفلاح، غنى للمرأة وتغنى بها وتغزل:

"قالت الهايمة لي خل خلف البحارا، خلف سبعة بحور خلي مهاجر ومهتان".

وهذا جبران يؤكد أن الاغنيات سر الوجود. إنماء الناس سطور لكن كتبت لكن بماء. 

اعطني الناي وغني فالغناء سر الوجود وأنين الناي يبقى بعد أن يفنى الوجود...