تحليل: النشاط المكثف للرئاسي.. مستوى التوافق يمكن أن يقلب المعادلة

تقارير - Tuesday 09 January 2024 الساعة 09:22 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

مع بداية العام الجديد 2024، يكثف مجلس القيادة الرئاسي اجتماعاته بقوام مكتمل من رئيس المجلس والأعضاء السبعة، وهو ما يبعث بعدة مؤشرات أبرزها مستوى التوافق بين أعضاء المجلس.

تجسّد هذا التوافق في قرار المجلس بدمج جهازي الأمن السياسي والأمن القومي في جهاز واحد تم استحداثه تحت اسم جهاز أمن الدولة، بالإضافة إلى تعيين اللواء شلال شايع رئيساً لجهاز مكافحة الإرهاب.

بحسب الوضع الأمني السائد في المحافظات المحررة، فإن إيلاء هذا الجانب اهتماماً ضمن أولويات رئيس وأعضاء المجلس يعدّ خطوة إلى الأمام، خاصة مع كثر الاختراقات الحوثية للمناطق المحررة وتنفيذ عدة عمليات اغتيال لأهم القادة، وكذلك ما يشكله انتشار عناصر تنظيم القاعدة من تهديد للسلم المجتمعي والاستقرار الحكومي.

تشخيص حال

أدى الانقسام داخل معسكر السلطة الشرعية إلى تمكين المليشيا الحوثية من السيطرة على معظم مناطق شمال اليمن ودخولها إلى بعض المناطق الجنوبية أكثر من مرة. ورغم دحر الحوثيين من مناطق الجنوب، إلا أنها ما زالت تهدد هذه المناطق وتحاول اقتحامها مرارا، كما تفعل في الضالع وشبوة ولحج. كما تهدد المناطق الشمالية المحررة في تعز ومأرب والحديدة.

ولا تقتصر تهديدات الحوثيين على هذه المناطق فقط، فهي تطمح وتخطط وتسعى إلى السيطرة على المحافظات النفطية وصولاً إلى محافظة المهرة التي تجد فيها بعض الأصوات التي تعتقد أنها متواطئة مع توسعها بحكم العلاقة الجيدة بين بعض وجهاء المحافظة وحكومة سلطنة عمان.

خلال سنوات الحرب، ورغم الأزمات الاقتصادية الخانقة وانهيار العملة الوطنية، شهدت محافظة مأرب توسعاً عمرانيا وبعض الازدهار الاقتصادي، وفي الغرب، تزدهر أيضا مناطق سيطرة المقاومة الوطنية بشكل متسارع، بينما تواجه العاصمة عدن ومحافظات أبين وشبوة وحضرموت والمهرة والضالع ولحج، عوائق تنموية أكثر من المحافظات الأخرى. يأتي في طليعة أسباب هذه العوائق غياب التوافق حيناً، وعدم كفايته أحياناً أخرى بين مكونات المعسكر المناهض لمليشيا الحوثي، وهو ما جعل النظرة العامة للمواطنين ترجّح كفة المليشيا الحوثية في ضبط الأمن والسيطرة السياسية والاقتصادية في مناطق نفوذها، رغم الجبايات والتسلط والظلم.

الجانب الاقتصادي يمثل أحد أكبر التحديات أمام مجلس القيادة الرئاسي، وترك الحبل على الغارب لمليشيا الحوثي في التحكم بتصدير النفط والغاز من عدمه، وعمل على إضعاف المجلس شعبياً وسياسياً، ويعمّق من مستوى عدم ثقة المواطنين به كأعلى سلطة في البلاد. كما أن عدم اهتمامه باستغلال موارد الدولة الأخرى يظهره عديم الحيلة، ومتلقياً فقط لمساعدة الأشقاء والأصدقاء، وهو ما يصيب صفته السيادية بالضعف.

وكما يلعب تنظيم القاعدة دوراً في عدم استقرار المحافظات والمناطق المحررة، يلعب الانفلات الأمني أيضاً دوراً طارداً لرؤوس الأموال والمستثمرين والكفاءات من رجال الدولة الذين يمكن أن يلعبوا دوراً في بناء نموذج للدولة يعرّي ميليشاوية الحوثيين بدلاً من ترجيح كفتهم. في ما يتعلق بمحاربة تنظيم القاعدة ما زالت قوات المجلس الانتقالي الجنوبي تواجه مسلحي التنظيم منفردة، وهناك عداء معلن بين حزب الإصلاح والمجلس الانتقالي، رغم أن كلاهما ممثلان في مجلس القيادة الرئاسي.

ما يمكن أن يقلب المعادلة

رغم أن تشخيص حال الوضع في المناطق المحررة وسلطة الدولة الشرعية فيها يحتاج إلى الكثير من الاستقصاء والشرح، إلا أن معالجة النقاط المذكورة تبدو كافية للبدء في استعادة زمام سلطة الدولة. ولكي يواجه مجلس القيادة الرئاسي هذه التحديات، يحتاج إلى رفع مستوى التوافق بين أعضاء المجلس إلى مستوى مسؤوليته السيادية وحجم التحديات الماثلة أمامه. 

بدءاً من بناء الجانب الأمني والعسكري بالتوافق على رؤى واضحة لتحديد الأولويات، وعلى رأسها كسر شوكة مليشيا الحوثي شعبياً وسياسياً على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، ومروراً بمواجهة التحدي الاقتصادي الذي فرضه الحوثيون على تصدير النفط والغاز، وليس انتهاء بالعمل على إعادة تفعيل مؤسسات الدولة وإظهار نموذج واقعي للشراكة الوطنية في حكم المناطق المحررة. 

وبدلاً من ترك قوات المجلس الانتقالي تحارب الحوثيين وتنظيم القاعدة وحدها، وترك قوات الجيش والمقاومة الشعبية في مأرب تقاتل الحوثيين وحدها، وترك المقاومة الوطنية تقاتل الحوثيين وحدها، يمكن أن يلعب رفع مستوى التوافق بين رئيس وأعضاء المجلس الرئاسي دوراً في توحيد خريطة المعركة ضد الطرف الذي تسبب بكل هذه الحرب الممتدة منذ تسع سنوات.

وفي الجانب السياسي، يحتاج أعضاء مجلس القيادة الرئاسي إلى توافق أكبر بخصوص القضية الجنوبية أولاً باعتبارها كبرى القضايا التي كان يفترض أن تحلّ بإنصاف في مؤتمر الحوار الوطني عام 2014، وجاء الانقلاب الحوثي ليخلط جميع الأوراق. وما دام هناك مكون سياسي قوي يمثل القضية الجنوبية اليوم، ويحظى بالتمثيل في مجلس القيادة الرئاسي، فلم لا تشمل النقاشات خطوطاً عريضة على الأقل، لحلول متوافق عليها وطنياً، بالتزامن مع نقاشات القضايا الأخرى ذات الأولوية الراهنة؟ من شأن توافق كهذا أن يضع الإقليم والعالم أمام واقع وطني متماسك لا تشذ عنه سوى مليشيا الحوثي.