ملامح انهيار مصرفي في مناطق سيطرة المليشيا وتوسيع الجبايات إلى السياحة الداخلية

تقارير - Monday 08 January 2024 الساعة 09:07 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

بعد أعوام من فرض المليشيا الحوثية سعر صرف ثابتاً للعملات الأجنبية بالقوة، لدعم مزاعم الاستقرار الاقتصادي والمصرفي بمناطق سيطرتها، اضطرت أخيراً إلى السماح لنسختها من البنك المركزي في صنعاء بصرف الدولار بنفس السعر في المناطق المحررة، في مؤشر على أزمة سيولة حادة تواجهها الجماعة.

وفي مؤشر آخر على بدء فقدان الجماعة سيطرتها على سوق الصرف، يرفض عدد من شركات الصرافة دفع الحوالات المالية بالعملات الأجنبية، وتعمل على دفعها بالأوراق النقدية المحلية، في حين بدأت قطاعات مختلفة رفض قبول الأوراق التالفة، وسط مخاوف من تراجع النشاط المالي للبنوك التجارية وتردي أعمال القطاع المصرفي.

وتجاوز سعر صرف الدولار في المناطق المحررة 1500 ريال يمني، بينما أجبرت الجماعة الحوثية البنوك وشركات الصرافة في مناطق سيطرتها على التعامل بسعر صرف لم يتجاوز 560 ريالاً للدولار الواحد في السنوات الماضية، ومنذ مطلع العام 2023 أجبرت القطاع المصرفي على التعامل بسعر لا يتجاوز 530 ريالاً لكل دولار.

ويرجع باحثون اقتصاديون ومصرفيون في صنعاء المختطفة بيد المليشيا، اتجاه الوضع المصرفي نحو الانهيار إلى مخاوف كبار المصرفيين والبنوك التجارية من تأثير العقوبات الأميركية الأخيرة على القطاع المصرفي برمّته.

ونقلت "الشرق الأوسط" عن الباحث الاقتصادي، رشيد الآنسي، قوله إن أنشطة المليشيا الحوثية العدائية في البحر الأحمر تسببت في الإضرار بسمعة اليمن في مختلف المجالات الاقتصادية، ومنها القطاع المصرفي، متحدثاً عن اطلاعه على توقف عدد من شركات الصرافة الأجنبية عن التعاطي مع شركات الصرافة المحلية في المناطق المحررة.

وإذا كان الأمر كذلك في المناطق المحررة، فإن الأمر سيكون أشد حدة في المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعة الحوثية، أو الشركات التي تعمل في تلك المناطق، والتي ستكون عرضة للاشتباه بتعاونها مع الجماعة.

ويبين الآنسي أن مؤشرات انعدام النقد الأجنبي في مناطق سيطرة الجماعة تعود إلى عدة أسابيع بعد تجنب كثير من الشركات والبنوك استلام حوالاتهم في مناطق سيطرتها، وذهاب تحويلاتهم إلى المناطق المحررة، ولا سيما مدينتي مأرب وعدن اللتين يتوفر فيهما معروض من سيولة النقد الأجنبي بعد تلاشي المعروض لدى الجماعة.

تأثير العقوبات الأميركية

وأدرج مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية، الأسبوع الماضي، ثلاث شركات صرافة داخل وخارج اليمن، في قائمة العقوبات، إلى جانب شخصية مصرفية موالية للجماعة، لتورطهم في تسهيل تدفق المساعدات المالية الإيرانية إلى مليشيا الحوثي ودعم أنشطتها المزعزعة للاستقرار، وذلك بعد هجماتها المتكررة على السفن التجارية في البحر الأحمر.

وذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن قادة الجماعة بدأوا التفكير بتخفيف القيود على حركة النقد الأجنبي والمحلي، بعد أن لاحظوا فقدان الثقة بالبنوك التي عجزت عن تسليم الودائع للعملاء والمستثمرين، بعد تعرضها لسيطرة وتحكم الجماعة بشكل جائر ومخالف للقوانين والأعراف المصرفية.

وتوقعت المصادر أن الجماعة ستبدأ بالتدريج السماح برفع سعر العملات الأجنبية في محال الصرافة وصولاً إلى التعويم الكامل ليتساوى سعر الصرف في مناطق سيطرتها مع سعر الصرف في المناطق المحررة.

يقول الباحث الاقتصادي عبد الواحد العوبلي، إن المليشيا الحوثية اعتمدت خلال السنوات الماضية على الإثراء من الفارق بين السعر الحقيقي للعملات الأجنبية والسعر الذي فرضته بالقوة والإكراه، وهو ما أفرغ الحوالات المالية القادمة من المغتربين في الخارج وأموال المنح الدولية المقدمة لصالح المساعدات الإنسانية، من قيمتها، وحوّلها لإثراء الجماعة.

ويوضح العوبلي في حديثه للصحيفة أن الحوالات النقدية القادمة من الخارج تصل إلى أصحابها بعد مصادرة المليشيا لما يقارب ثلثي قيمتها وفقاً للسعر الذي أقرته، بينما تباع السلع المستوردة، وحتى المحلية، وفقاً لسعر صرف أعلى بكثير للعملات الأجنبية، لأن المستوردين والتجار يحصلون على العملات الأجنبية للاستيراد من المناطق المحررة غالباً.

تدمير ممنهج

بسبب الانقلاب الحوثي والحرب ونهب الجماعة احتياطي البنك المركزي من العملات الأجنبية، المقدر بـ5 مليارات دولار، تراجعت أصول البنوك التجارية والإسلامية اليمنية من 6 مليارات دولار في عام 2014، إلى مليار و700 مليون دولار.

ووفقاً لباحث اقتصادي في صنعاء، فإن نهب الاحتياطي النقدي من قبل الجماعة الحوثية جعل القطاع المصرفي اليمن برمته في حالة خطر دائم، وإن الانهيار متوقع في أي لحظة، وهو انهيار منطقي ولا يمكن تلافيه بالإجراءات التي تمارسها الجماعة لأنها ممارسات خارج المنطق الاقتصادي تماماً.

ويفيد الباحث، الذي طلب حجب بياناته لإقامته في مناطق سيطرة المليشيا، بأن ما أخَّر حدوث انهيار القطاع المصرفي بشكل تام، ليس قوة القبضة الأمنية والاقتصادية الحوثية كما يجري الزعم، بل الأموال المتدفقة من الخارج، سواء حوالات المغتربين لأقاربهم، أو أموال المنح والمساعدات الدولية، أو تلك الموجهة لدعم أطراف الحرب والمتقاتلين.

ويحاول البنك المركزي اليمني من مقره في عدن السيطرة على القطاع المصرفي والحد من التلاعب بالعملة.

وكشفت تقارير حكومية مصرفية أن الجماعة الحوثية أنشأت أكثر من ألف شركة ومؤسسة صرافة وشبكة تحويلات مالية، منذ انقلابها على السلطة الشرعية قبل 9 أعوام، بعد أن نهبت البنك المركزي والمصارف وفرضت جبايات على التجار والمصانع والقطاع الخاص والوقود، وسعت لإدماجها في دورتها النقدية.

وكان لسيطرة الحوثيين على القطاع المصرفي، طبقاً للتقارير؛ وقوع آثار مدمرة للاقتصاد الوطني، تمثلت في عجز البنوك اليمنية عن المراسلات الخارجية لدى البنوك والمصارف الإقليمية والدولية، وإعاقة البنوك المحلية من الوصول إلى استثماراتها في أذون الخزانة لدى البنك المركزي في صنعاء، وخلق أزمة السيولة المالية.

وأدّت أزمة السيولة النقدية الحادة التي شهدها القطاع المصرفي وفقدان الدولة قدرتها على تسييل أذون الخزانة، إلى عجز البنوك عن الوفاء بالتزاماتها تجاه المودعين، ووضع سقف للسحوبات النقدية بالعملة المحلية والأجنبية.

نهب منظم لموارد السياحة الداخلية

إلى ذلك، ذكرت صحيفة الشرق الأوسط عن مصادرها في صنعاء، أن جماعة الحوثيين تعتزم استهداف ما يزيد على 8 آلاف منشأة ومرفق سياحي في العاصمة المختطفة صنعاء ومناطق أخرى بحزمة جديدة من الإجراءات والقيود التعسفية، وذلك ضمن مساعي الجماعة لجباية مزيد من الأموال.

وأعلنت المليشيا في هذا السياق، تأسيس ما سمته معهد "إرمذات"، وأوكلت إليه عدم منح أي تراخيص أو تجديد للمرافق والمنشآت السياحية بمناطق سيطرتها إلا بعد تحصل العاملين بتلك المنشآت على ما أطلقت عليه الجماعة "شهادات تأهيل" صادرة عن المعهد المزعوم الذي أسست له مقرا رئيسيا في صنعاء، وأطلقت له فروعا عدة في بقية المدن تحت قبضتها.

ووفق وسائل إعلام الجماعة، دعا القيادي الحوثي عصام السنيني المعين في منصب وكيل أول وزارة السياحة في حكومة الانقلاب، ملّاك المنشآت السياحية إلى سرعة التوجه إلى معهد "إرمذات" والتسجيل فيه باعتباره المعيار الأهم في إصدار أي تصاريح لأي مرافق سياحية.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الموظفون العموميون في مناطق سيطرة الجماعة منذ سنوات من انقطاع رواتبهم، هدفت الجماعة من وراء تأسيس المعهد إلى تحصيل أكبر قدر من الموارد المالية بذريعة تأهيل وتدريب العاملين بالمنشآت السياحية الكبرى والمتوسطة والأصغر.

واتهمت مصادر عاملة في قطاع السياحة في صنعاء الجماعة الحوثية بالاستمرار في نهب موارد قطاع السياحة الداخلية، عبر وقف رواتب موظفي هذا القطاع، والسطو على الودائع المصرفية الخاصة به، إضافة إلى إحلال عناصرها المؤدلجين في مفاصل المؤسسات ذات الصلة، وكذا استهداف ملاك ما تبقى من المنشآت والمرافق السياحية في صنعاء وغيرها بحملات التعسف والابتزاز.

وتحدث مستثمرون في القطاع السياحي بصنعاء لـ"الشرق الأوسط" عن استيائهم من تدابير المليشيا الحوثية التي تشترط عدم منح أي تراخيص أو تجديد للمرافق والمنشآت السياحية إلا بعد أن يحصل العاملون فيها على شهادات من أحد المعاهد المستحدثة.

ونقلت الصحيفة عن أحد العاملين بمرفق سياحي وسط صنعاء، أنه يعمل في هذا القطاع منذ سنوات ولديه الخبرة الكافية لأداء مهامه الوظيفية على أكمل وجه، لافتاً إلى أنه والكثير من زملائه لا يحتاجون لأي دورات تأهيل وتدريب حوثية ذات طابع تعبوي وطائفي.

وأبدى استنكاره لاشتراط الحوثيين الالتحاق بالمعهد الذي لا يخضع لأدنى المعايير، سوى أنه يهدف إلى جبابة الأموال نظير تلقي دورات وبرامج مشبوهة وليس لها أي علاقة بالعمل السياحي.

وجاء هذا التوجه الحوثي بالتزامن مع شن حملات واسعة استهدفت عدداً من الفنادق السياحية والمقاهي والمتنزهات والحدائق العامة والخاصة في صنعاء وإب وذمار ومدن أخرى، بحجة منع اليمنيين من إقامة أي احتفالات لمناسبة رأس السنة الميلادية.

كما نقلت الصحيفة عن "مصادر محلية" مطلعة قولها إن مسلحين حوثيين يقودهم مشرفون على قطاع السياحة في صنعاء داهموا عددا من الفنادق والمقاهي والمتنزهات والحدائق العامة والترفيهية، وحذروا مالكيها من إقامة أي احتفالات خاصة برأس السنة الميلادية بناءً على أوامر من زعيم الجماعة.

وعلى مدى الأعوام الماضية من الانقلاب الحوثي، سعت الجماعة بمختلف الطرق إلى نهب وتدمير القطاع السياحي في مناطق سيطرتها تارة بالاستهداف المباشر للمنشآت والمرافق السياحية، وأخرى عبر حملات الجباية غير القانونية بحق المتبقين من منتسبي هذا القطاع.

كما قاد الانقلاب الحوثي إلى تسريح 95 في المائة من العاملين في قطاع السياحة الذين يعول غالبيتهم أكثر من 500 ألف فرد، إضافة إلى فقدان آلاف من فرص العمل التي كانت تشكل دخلاً رئيسياً للمئات من الأسر اليمنية.