تصعيد المواجهة بالبحر الأحمر.. خيارات "صفرية" أمام الحوثي والغرب

تقارير - Monday 01 January 2024 الساعة 04:13 pm
عدن، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

أقرت جماعة الحوثي بمقتل وفقدان 10 من عناصرها على يد البحرية الأمريكية في أول احتكاك مباشر بين الطرفين بالبحر الأحمر، بعد أيام من التهديدات المتبادلة، وهو ما يفتح باب الجدل والتساؤل حول خيارات الطرفين في تصعيد الموقف في واحد من أهم الممرات المائية عالمياً.

وقالت البحرية الأمريكية، الأحد، إنها استجابت لنداء استغاثة من سفينة الشحن "MAERSK HANGZHOU" اقتربت منها 4 زوارق حوثية في محاولة لاختطافها بعد ساعات من استهدافها بصاروخ بحري، وإن مروحيات تابعة للبحرية أطلقت على الزوارق الحوثية ما أدى إلى إغراق ثلاثة من القوارب الصغيرة الأربعة، وقتل أفراد الطاقم، وفر القارب الرابع من المنطقة. 

الرد الحوثي على الحادثة جاء على عكس التوقعات بتصعيد الموقف مع أمريكا انتقاماً لمقتل عناصر المليشيات، حيث خلا البيان الذي تلاه ناطق المليشيات يحيى سريع من أي تهديد واضح بالرد على الهجوم الأمريكي، واكتفى بالقول إن "العدو الأمريكي يتحمل تبعات هذه الجريمة وتداعياتها".

هذه اللغة الضعيفة تتناقض تماماً مع لغة البيان الذي نشره سريع قبل يوم واحد من الحادثة، وكان مخصصاً لمخاطبة واشنطن، حيث حذر البيان "العدو الأمريكي من مغبة الإقدام على أي تصعيد"، والتهديد بأن مليشيات الحوثي "لن تتردد في اتخاذ كل ما يلزم في سبيل الدفاع والتصدي لأي عدوان".

امتناع جماعة الحوثي عن التهديد الصريح بالرد على الاستهداف الأمريكي، يثير الاستغراب والتساؤل حول ما إذا كان إشارة على عدم رغبة الجماعة في تصعيد الموقف أكثر بالنظر في البحر الأحمر، أم أنه اعتراف بالعجز عن ذلك، وأن خيارات التصعيد محدودة جداً.

فالقدرة العسكرية للجماعة الحوثية على مواجهة أمريكا بالبحر الأحمر تكاد تكون شبه معدومة نظراً للفارق المهول في القدرات العسكرية بين الطرفين، وهو ما أثبتته حادثة الأحد ومشهد المواجهة بين زوارق بدائية حوثية بسلاح متوسط لا يمكن لها الصمود بوجه بوارج ومروحيات عسكرية هي الأحدث على مستوى العالم.

كما أن الجماعة تدرك أن أسلحتها التي تستخدمها حالياً لاستهداف السفن التجارية من صواريخ بحرية وطائرات مسيرة لا قدرة لها على إيذاء القطع العسكرية البحرية لأمريكا أو للغرب، المزودة بأحدث أنظمة الدفاع القادرة على إسقاطها، ويمكن فقط التسبب لها بالأذى عبر الألغام البحرية التي زودتها بها إيران لكن ذلك يتطلب اقترابها من الساحل، وهو ما يبدو مستبعداً حالياً.

بل إن احتمالية نجاح الجماعة الحوثية في استهداف أي من هذه القطع العسكرية والتسبب في جرح أو مقتل أحد من عناصرها يمكن أن يجلب لها انتقاماً غير متوقع ويدخلها بمعركة لا عودة فيها مع الغرب، كما حدث مع تنظيم القاعدة في اليمن عقب استهدافه للمدمرة الأمريكية كول في عدن عام 2000م بقارب مفخخ أدى لمقتل 17 جندياً.

هذه الخيارات الصعبة لا تقف بوجه الجماعة الحوثية فقط، بل تقف أيضاً في وجه واشنطن والغرب في الرد على أي تصعيد غير متوقع من جانب الحوثي، ومن بين هذه الخيارات ما تحدثت عنه التقارير التي نشرتها وسائل إعلام بريطانية وأمريكية خلال الأيام الماضية عن إمكانية توجيه ضربات جوية ضد الجماعة الحوثية، لإجبارها على وقف هجماتها بالبحر الأحمر.

وهو أمر مشكوك في الجدوى منه، بالنظر إلى طبيعة جماعة الحوثي ككيان مليشاوي مسلح بعيد عن شكل السلطة والدولة حتى يتم الحديث عن فعالية استهدافه جوياً، كما أن الحديث عن ذلك يثير تساؤلاً عن ماهية الأهداف التي يمكن لواشنطن أو لندن استهدافها اليوم في اليمن ولم يجر استهدافها من قبل التحالف العربي طيلة سنوات الحرب الثمان.

كما أن واقع الجماعة الحوثية يختلف بشكل كبير عن واقع تنظيم القاعدة الذي استهدفته أمريكا في اليمن ولاحقت عناصره وقياداته بعشرات الغارات الجوية ولا تزال مستمرة حتى اليوم، مع الأخذ بعين الاعتبار أن اتخاذ خيار ملاحقة قيادات الحوثي في الداخل اليمني واستهدافهم يعني إعلان حرب مفتوحة مع الجماعة قد يصعب على الغرب التراجع عنها أو دفع ثمن أي أخطاء قد تنجم عنها.

في حين أن هذا الخيار بحد ذاته سيشكل مأزقاً حقيقياً لواشنطن والغرب في إعلان حرب جديدة في اليمن قد يصعب تبريره سياسياً بعد سنوات من الضغوط التي مارسوها ضد التحالف لوقف الحرب في اليمن ضد مليشيات الحوثي وصلت حد الابتزاز بقطع إمداد دول التحالف بالأسلحة والذخائر، ومثَّل ذلك أحد أهم أسباب نجاة المليشيات من الهزيمة بالحرب.

خيارات صعبة ومعقدة تقف أمام طرفي المواجهة في البحر الأحمر، ترجح منع أي تصعيد واسع أو شامل للمواجهة خلال الأيام القادمة، وتبقي على المواجهة في إطار ما بات يُوصف بأنها "قواعد الاشتباك" المُتفق عليها بين الغرب وأذرع إيران لمنع تصعيد الموقف في المنطقة.