تداعيات التأخير.. الحكومة تعتمد التعزيز المالي للعسكريين الجنوبيين المعادين لوظائفهم

تقارير - Wednesday 27 December 2023 الساعة 09:27 pm
عدن، نيوزيمن، خاص:

بعد ما يقارب ستة أشهر من إصدار رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، القرارات الخاصة بإعادة أكثر من 50 ألفاً من العسكريين الجنوبيين الذين أبعدوا من وظائفهم عقب حرب صيف 94، اعتمدت الحكومة، الأربعاء، التعزيز المالي الخاص بتلك القرارات.

ستة أشهر تبدو فترة طويلة لمواكبة قرارات رئاسية بهذه الأهمية وبهذا المستوى العالي من الحساسية الوطنية، لكن الوضع المالي للحكومة لم يكن مواكباً حتى للخدمات الأساسية للمواطنين في المناطق المحررة، لا سيما بعد الهجمات الحوثية على موانئ تصدير النفط والغاز في حضرموت وشبوة، ومنع المليشيا الحوثية تصدير أهم سلعتين تعتمد عليهما الحكومة ضمن مواردها المالية.

"أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي". قد ينطبق هذا المثل، مع الكثير من التحلي بالتسامح، على الوفاء بالتزام الحكومة بقضايا الموظفين الحكوميين من أبناء المحافظات الجنوبية، الذين أعيدوا إلى وظائفهم، خاصة من منتسبي وزارتي الدفاع والداخلية، لكن الأهم من ذلك أن لا تأخذ توجيهات التنفيذ التي أصدرها رئيس الحكومة، معين عبدالملك، لوزيري المالية والدفاع في اجتماع الأربعاء، شهوراً أخرى. 

إعادة أكثر من 50 ألفاً من المبعدين من وظائفهم، هي خطوة عالية الأهمية على المستوى الوطني، وقد استقبلها غالبية رجال الدولة وموظفيها، خاصة منتسبي الدفاع والداخلية في الجنوب، بترحيب حذر فور صدور قرارات الإعادة، ومن شأن المماطلة في تنفيذها مالياً وإدارياً أن تبطل مفعول هذه الخطوة أو تخفضه إلى أدنى مستوى في أفضل الأحوال. كما أن من شأن التنفيذ السريع لهذه القرارات أن تكسر، ولو إلى حد ما، الصورة النمطية لقادة الدولة المنحدرين من المحافظات الشمالية، أمام النظرة الجنوبية لهم التي تراكمت على مدى أكثر من ثلث قرن من الزمان.

نتائج ترك الجنوب وحيداً

يرتبط بهذه الخطوة تماسك رئيس وأعضاء مجلس القيادة الرئاسي أمام محاولات تأجيل حل القضية الجنوبية إلى ما بعد المراحل الثلاث لخارطة الطريق المتداولة حالياً، والتي أسفرت عنها المفاوضات السعودية مع مليشيا الحوثي بتسهيلات عربية وإقليمية. لكن إذا ترك أعضاء مجلس القيادة الرئاسي زملاءهم الجنوبيين وحيدين في المطالبة بجعل القضية الجنوبية أولوية في خارطة السلام، فلن تقتصر نتائج مثل هذا الخذلان على تصدع مجلس القيادة، بل سيعمق ذلك من الشرخ الوطني بين شمال اليمن وجنوبه. يطالب عضو مجلس القيادة الرئاسي، عيدروس الزبيدي باستعادة دولة الجنوب السابقة لوحدة العام 1990، لكنه في نفس الوقت يصرح مرارا وتكرارا بأن القضية الجنوبية يجب أن تكون في صدارة أي تسوية سياسية للمشكلة اليمنية عموماً. لا يبدو أن هناك من ينتبه لهذا الجزء من تصريحات الرجل المتمسك بحق الجنوب في تسوية عادلة على مختلف الجوانب، وإذا ما شعر هو بأن رئيس وأعضاء مجلس القيادة، خاصة المنحدرين من محافظات الشمال، يساندون موقفه من التسوية القادمة، فسوف يشعر الجنوب كله بهذه المساندة. ولأن القضية الجنوبية لم تعد مجرد قضية مكتوبة في لافتة يرفعها نشطاء سياسيون ومدنيون ويتعرضون للقمع والتنكيل، فمن الممكن جداً أن تذهب مكونات الحراك الجنوبي وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، نحو خيارات اضطرارية تخدم القضية الجنوبية ولا تخدم مسار السلام والوحدة.

خيارات المجتمع الدولي

مثلما خدمت الأحداث الدولية وخيارات المجتمع الدولي في تسعينيات القرن الماضي، تحقيق الوحدة اليمنية، يمكن لتحولات المصالح الدولية اليوم أن تخدم انفصال الجنوب عن الشمال. جميع المراقبين الدوليين للشأن اليمني أصبحوا يرون حالة الانقسام التي فرضتها الحرب، ليس فقط على المستوى السياسي والعسكري، بل كذلك على مستوى جغرافية اليمن الموحد. فلولا وجود أجزاء من محافظات تعز والحديدة ومأرب ضمن المناطق المحررة من انقلاب مليشيا الحوثي، لكان الانقسام الذي فرضته الحرب يمر تماماً على الحدود الشطرية السابقة للوحدة. وعلى ذلك فإن الوضع الجيوسياسي لليمن مهيأ تماماً لانفصال الجنوب لولا أن غالبية المجتمع الإقليمي والدولي ما زالوا يصرحون بدعمهم لاستقرار اليمن ووحدته وسلامة أراضيه.

يمكن لهذه التصريحات أن تتبدل مع تصاعد المستجدات المؤثرة على المصالح الدولية، وأبرزها استمرار العدوان الإسرائيلي المتوحش على قطاع غزة، والهجمات الحوثية على سفن التجارة الدولية في المياه البحرية اليمنية وتماهي الجماعة مع النظام الإيراني الذي لم يصدر منه حتى الآن ما يكفي من حسن النوايا تجاه الدول العربية، رغم تقاربه المعلن مع المملكة العربية السعودية. 

وتقول المستجدات في هذا الجانب إن خيارات أمريكا في ردع المليشيا الحوثية عن شن المزيد من الهجمات على السفن في المياه اليمنية، لا تقتصر على تشكيل تحالف عسكري بحري ضد الحوثيين، بل أن تساهم في بناء الدفاعات العسكرية للقوى المناهضة لهم. ومنذ بداية الهجمات الحوثية على السفن، يقدم كثير من المحللين السياسيين الأمريكيين مقترحات للإدارة الأمريكية بخيارات التعامل مع التهديد الحوثي للملاحة الدولية. ومن ضمن تلك المقترحات أن تركز أولوية واشنطن على ضمان عدم تمكّن الحوثيين من اجتياح أي مناطق أخرى في اليمن، وخاصة محافظة مأرب الغنية بالنفط والغاز. كما يقترحون أنه ينبغي أن تضمن عمليات الوقاية والردع بمساعدة الولايات المتحدة عدم قيام الحوثيين بالهجوم مجدداً، وعدم انجرار أي من الجهات الفاعلة الإقليمية والولايات المتحدة إلى صراع آخر، مشبهين وضع المليشيا الحوثية بوضع كوريا الشمالية في منتصف القرن العشرين، بحيث يكون الردع العسكري للحوثيين واحتواؤهم مهمة دفاعية، تهدف إلى الحرص على أن يدرك الحوثيون أنهم يواجهون احتمالاً كبيراً بالفشل والتعرض لعقاب شديد إذا هاجموا مجدداً، وأن هذا لن يتحقق إلا إذا دعمت أمريكا القوى اليمنية المناهضة للحوثيين.

كما يقدم محللو السياسات الأمريكية مقترحات لإدارة بايدن تحت ما يسمى "تعزيز اليمن الحر"، ومرة أخرى من خلال التذكير بحالة كوريا الجنوبية، حيث يقترحون ضرورة تعزيز المناطق اليمنية غير الخاضعة للحوثيين من الناحية الاقتصادية إذا أريد لها الصمود. كما ينبغي على الولايات المتحدة مساعدة "اليمن غير الحوثي" على إعادة تفعيل المشاريع الرئيسية مثل "الشركة اليمنية للغاز الطبيعي المسال" وصادرات النفط، والتي يمكن تقاسم إنتاجها مع سكان المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون عندما يظهر الحوثيون حسن النية ولفترة طويلة من عدم الاعتداء على المناطق المحررة والجهات الفاعلة الدولية. وفي غضون ذلك، يمكن أن تلقي الولايات المتحدة بثقلها الكامل وراء الجهود الخليجية لتعزيز الطاقة والخدمات اللوجستية والتجارة في المناطق غير الخاضعة للحوثيين.

صحيح أن مثل هذه السياسات إذا ما أخذت بها الإدارة الأمريكية سيكون لها تأثير سلبي على هدف الحكومة الشرعية والقوى الممثلة بمجلس القيادة الرئاسي باستعادة الدولة من قبضة المليشيا الحوثية، لكنها سياسات ستخدم انفصال الجنوب عن الشمال، إن لم يكن رسمياً، فمن خلال تطويل حالة الانفصال الراهنة. وفي هذه الحالة، سوف يتوجب على قادة الدولة في المناطق الشمالية غير الخاضعة لحكم المليشيا الحوثية، أن يعملوا على حفظ التوافق الوطني والمجتمعي بين هذه المناطق وبين المناطق الجنوبية. إذا لم يفعلوا ذلك بدافع الحسّ العالي للمسؤولية الوطنية ووحدة الهدف المشترك، فسيضطرون لفعله بدافع المصلحة السياسية.