تحليل: هل تأخذ السعودية تحذيرات مجلس القيادة بشأن الحوثيين على محمل الجد؟

تقارير - Sunday 24 September 2023 الساعة 10:57 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

ليست المرة الأولى التي يحذر فيها مجلس القيادة الرئاسي من خطورة تقديم التنازلات لمليشيا الحوثي الإمامية، رغم أن أكبر التنازلات التي حصل عليها الحوثيون تمت منذ بداية عهد المجلس في إدارة شؤون البلاد.

لمحة على التنازلات ومسار التفاوض

أبرز التنازلات التي قدمها مجلس القيادة الرئاسي لمليشيا الحوثي تمثلت بفتح مطار صنعاء أمام الرحلات الجوية التجارية ورفع القيود عن ميناء الحديدة، ولم تمض سبعة أشهر على هدنة أبريل 2022، حتى قصفت مليشيا الحوثي ميناءي تصدير النفط والغاز في حضرموت وشبوة، وطالبت بتقاسم إيرادات النفط. بعد هذه الجريمة بحق الاقتصاد الوطني نقلت سلطنة عمان مسار جهود الوساطة التي تقودها، من التفاوض بين الحوثيين والحكومة الشرعية برعاية الأمم المتحدة إلى التفاوض بين الحوثيين والسعودية مباشرة، وهو ما أعطى المليشيا الحوثية انطباعا بأن قوتها العسكرية المزعومة والدعم السياسي الذي توفره لها إيران وسلطنة عمان، كفيلان بنجاح ابتزازها للسعودية والإمارات بالملفات الإنسانية، وفرض المزيد من الشروط التعجيزية.

على أن القيود على نشاط ميناء الحديدة كانت قد رفعت تدريجيا بعد اتفاق استوكهولم 2018 في السويد، وتم تخصيص حساب في البنك المركزي فرع الحديدة لتوريد عائدات الميناء إليه ثم صرفها كرواتب للموظفين الحكوميين في مناطق سيطرة المليشيا الحوثية. لكن قيادات المليشيا خرقوا ذلك الاتفاق وسحبوا الأموال من حساب المرتبات لينفقوها في تمويل أنشطتهم الحربية والطائفية. وبدلاً من محاسبتهم على ذلك، تم منحهم المزيد من التنازلات، ووجهت المليشيا مقاتليها وأسلحتها الثقيلة نحو محافظة مأرب في محاولة للسيطرة على حقول النفط.

بعد تقديم تنازل بعد آخر، شعرت المليشيا الحوثية أنها قادرة على إحراز المزيد من النجاحات العسكرية، خاصة بعد توقف الطيران الحربي للتحالف عن قصف مواقعها العسكرية والتزام قوات الحكومة والأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي بالتهدئة التي فرضها اتفاق الهدنة الذي لم تحترمه المليشيا الإمامية وتسببت خروقاتها للهدنة بمقتل العشرات من المدنيين والعسكريين من صفوف القوات الشرعية. وبدلا من إبقاء مسار التفاوض بين المليشيا ومجلس القيادة الرئاسي، أخذته مستجدات الأحداث نحو نقاشات أعمق بين المليشيا والمملكة العربية السعودية حول الملف الإنساني الذي تختزله المليشيا في تسديد مرتبات الموظفين وميزانية إعادة الإعمار والتعويضات، بينما تبقى الطرقات المغلقة في تعز والمحافظات الأخرى تفصيلا ثانويا في المحادثات.

ناقوس الخطر عبر السنين

على مدى عقدين من الزمن جربت الدولة اليمنية طريقة المليشيا الحوثية في الالتفاف على اتفاقيات التهدئة، منذ حروب صعدة الست التي كشفت السنوات اللاحقة لها أن الدولة كانت بالفعل تواجه خلالها تمرد جماعة انقلابية تريد إعادة الإمامة الهاشمية كنظام حكم بعد الإطاحة بهذا النظام في ثورة 26 سبتمبر 1962. منذ العام 2004 غلّفت المليشيا طموحها في إعادة الإمامة بأغلفة المظلومية والحق في التنوع المذهبي، ثم استغلت أحداث الاحتجاجات الشعبية في العام 2011 وتغلغلت في صفوف المحتجين الشباب الذين لم تسعفهم أعمارهم أو اطلاعهم على التاريخ السياسي لليمن في كشف الطموح الحوثي البعيد. ونتيجة الفراغ السياسي الذي أعقب أحداث 2011 والمرحلة الانتقالية إثر تنازل الرئيس الراحل علي عبدالله صالح عن السلطة سلمياً لنائبه عبدربه منصور هادي، وجدت المليشيا الحوثية فرصتها للانقضاض على السلطة في عهد الرئيس الضعيف وتصاعد حدة الخلافات بين الفرقاء الجمهوريين. وما زالت الاتفاقات التي كانت المليشيا الحوثية تبرمها مع الدولة وزعماء القبائل خلال تلك المرحلة، شاهدة على طبيعة المليشيا المتأصلة في نقض العهود والمواثيق، وأبرزها اتفاق السلم والشراكة.

تحذيرات مجلس القيادة

منذ تشكيله في 7 أبريل 2022، لعل هذه هي المرة الأولى التي تتصاعد فيها نبرة مجلس القيادة الرئاسي في التحذير من الطبيعة الحوثية في نقض العهود والمواثيق. في كلمته التي ألقاها في الاجتماع الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، قال رئيس المجلس رشاد العليمي إن الآمال بتحقيق السلام في اليمن سوف تتجدد فقط عندما يتحقق "رضوخ الميليشيات الحوثية للإرادة الشعبية والإقليمية والدولية والاعتراف بحقيقة أن الدولة الضامنة للحقوق والحريات وسيادة القانون على أساس العدالة والمواطنة المتساوية هي وحدها من ستجعل بلدنا أكثر أمنا واستقرارا واحتراما في محيطه الإقليمي والدولي".

وبنبرة واضحة يفترض بمجلس القيادة البناء عليها في تعاطيه مع مستجدات مفاوضات السلام حاليا ومستقبلا، حذر العليمي من خطورة الاعتراف بمليشيا الحوثي حتى كسلطة أمر واقع، وأن "أي تراخ من جانب المجتمع الدولي أو التعامل مع الميليشيات كسلطة أمر واقع، من شأنه أن يجعل من ممارسة القمع وانتهاك الحريات العامة سلوكا يتعذر التخلص منه بأي حال من الأحوال". وأضاف إن "أي مبادرة سلام أو إجراءات لبناء الثقة ينبغي أن تكون قادرة على تحقيق نتائج ملموسة وفورية لتخفيف معاناة الشعب اليمني وأن يستفيد منها ضحايا الصراع، وفي مقدمتهم النساء والأطفال".

ربما كان ينقص خطاب الرئيس العليمي في الأمم المتحدة التنويه إلى أن أي مبادرة سلام ينبغي أن يشمل إطارها التفاوضي مناقشات جدية للقضية الجنوبية ووضع معالجات حاسمة لها، لكن لعله اكتفى بحضور عضو مجلس القيادة عيدروس الزبيدي اجتماع الجمعية العامة كتمهيد لترويض المجتمع الدولي والأمم المتحدة على أخذ القضية الجنوبية بالاعتبار كقضية محورية في طريق بناء السلام في البلاد.

ويبقى الدور المباشر لأخذ هذه التحذيرات على المملكة العربية السعودية في إطار مفاوضاتها الثنائية مع مليشيا الحوثي باعتبار الأخيرة ذراعًا لإيران في اليمن والجزيرة العربية. ورغم التفاؤل الحوثي المعلن بنقاشات الرياض بين وفد المليشيا والجانب السعودي، وكذلك وصف الخارجية السعودية للمحادثات بالإيجابية، ففي ثنايا بيان الخارجية السعودية وتغريدات الأمير خالد بن سلمان، وزير دفاع المملكة عقب مغادرة الوفد الحوثي للرياض، ما يشير إلى أن السعودية لن تخرج عن إطار التوافق الخليجي بشأن التسوية في اليمن، وفي المقدمة توافقها مع الإمارات العربية المتحدة، شريكتها في التحالف العربي المناهض لمليشيا الحوثي. فما زالت المملكة تؤكد على ضرورة إجراء حوار يمني-يمني من أجل التوصل إلى سلام دائم في اليمن، وهو المبدأ الذي يدعمه مجلس التعاون الخليجي ومصر ويدعمه المجتمع الدولي والأمم المتحدة، ولا يبدو أن التهرب الحوثي من هذا الحوار سيستمر إلى ما لا نهاية.

إمكانية الأخذ بالتحذيرات

بناءً على خبرة المملكة العربية السعودية بالطباع المتقلبة لمليشيا الحوثي منذ حرب صعدة الرابعة وخلال الحرب الراهنة الممتدة من 2015، ومن خلال إدراك المملكة لتشعب الأزمة اليمنية محلياً وإقليمياً ودولياً، لا بد أن خياراتها في إنجاز اتفاق بينها وذراع إيران في اليمن سوف تنحصر في القضايا الخلافية بينها وبين المليشيا، وهو ما أكده المبعوث الأممي هانس جروندبرج الأسبوع الماضي. أما خيارات المملكة في تفاوض المليشيا حول القضايا الخلافية بينها وبين الأطراف اليمنية المناهضة لها، فلعلها ستتضح خلال الشهور القادمة، وهي فرصة للحكومة الشرعية والأطراف الممثلة في مجلس القيادة الرئاسي لترتيب أوراقها التفاوضية، بما يشمل القضية الجنوبية وإلغاء مبادئ الحكم الإمامي وغير ذلك من ملامح الدولة اليمنية ومؤسساتها.