المشاط وتسريب الموازنة.. أكذوبة حوثية وتضليل عابر للحدود (تدقيق معلومات)

تقارير - Sunday 24 September 2023 الساعة 08:24 am
صنعاء، فريق الرصد لـ(نيوزيمن):

أقر القيادي الحوثي ورئيس المجلس السياسي الأعلى في صنعاء مهدي المشاط بامتناعهم في السلطة التنفيذية (غير المعترف بها) عن تقديم الموازنة العامة للدولة إلى مجلس النواب منذ العام 2020 زاعماً وقوع ما اعتبره تسريباً لموازنة العام 2019 إلى لجنة العقوبات في مجلس الأمن.

وفي خطاب له بمحافظة صعدة، الخميس 31 أغسطس/آب 2023، اعتبر المشاط تسريب الموازنة سبباً كافياً لحجب الموازنة العامة للدولة ومخالفة الدستور والقوانين اليمنية ومبادئ الحكم الرشيد ومبادئ النزاهة والشفافية، وحق الجمهور في الاطلاع على الموازنة العامة للدولة.

وحدة تدقيق المعلومات في (نيوزيمن) أجرت بحثاً في حقيقة مزاعم المشاط بشأن مبررات التكتم على الموازنة العامة للدولة في صنعاء، على النحو التالي، وصولاً إلى النتائج التالية:

تبويب وماهية الموازنة

يُعرف القانون المالي رقم (5) لسنة 1990م في اليمن، الموازنات العامة بأنها الترجمة الرقمية للبرنامج المالي عن سنة مالية مقبلة لتحقيق أهداف معينة في إطار الخطة العامة للدولة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية وطبقا للسياسات المالية والنقدية والاقتصادية والاجتماعية للدولة.

وتتكون الموازنات العامة من (الموازنة العامة للدولة، بما فيها موازنات الوحدات الإدارية والمجالس المحلية، وموازنة الوحدات الاقتصادية -العام والمختلط- وموازنات الوحدات المستقلة والملحقة).

>> المشاط والأدوية.. أكاذيب حوثية على الهواء / تدقيق معلومات 

وبتفصيل أكثر يُعرف القانون الموازنات العامة بأنها الجداول الشاملة لجميع الإيرادات المقدر تحصيلها وجميع النفقات المتوقع انفاقها خلال السنة المالية، فيما تعرف الموازنات العامة للدولة بأنها موازنة الوزارات وما في حكمها والمصالح والهيئات العامة ومختلف الاجهزة وفروعها التي تتضمنها موازنات الوحدات الادارية والمجالس المحلية، وتعرف موازنة الوحدات الاقتصادية بأنها الموازنات التخطيطية لوحدات القطاع العام التي تملك الدولة رأسمالها بالكامل وكذا الوحدات المختلطة التي تساهم الحكومة في رأسمالها.

ويوجب القانون أن تشمل الموازنات العامة تقديرات لكافة انواع الايرادات بما في ذلك جميع المساعدات والهبات العينية والنقدية والمسحوبات من القروض العينية والنقدية التي يحتمل تحصيلها او الحصول عليها خلال السنة المالية موضع التقدير، كذلك يوجب القانون اشتمال الموازنة لكافة انواع النفقات المتوقع انفاقها خلال السنة المالية موضع التقدير بما في ذلك المخصصات لخدمة الديون او القروض المحلية والخارجية.

نفقات وإيرادات متوقعة 

حسب اللائحة التنفيذية للقانون المالي تقسم الموازنات العامة إلى جدولين رئيسين احدهما للايرادات والاخر للنفقات، وتعد الموازنة العامة للدولة على اساس التنظيم الاداري للاجهزة والوحدات الادارية والمجالس المحلية والتصنيف الاقتصادي والوظيفي لاوجه نشاط الدولة، وتبوب الموازنة العامة للدولة الى ابواب وفصول وبنود وانواع.

ويظهر جدول الإيرادات في موازنة عام 2019 تقسيم إجمالي الموارد الى 5 أبواب هي: الإيرادات الضريبية، والمنح، وايرادات دخل الملكية ومبيعات السلع والخدمات والتحويلات المتنوعة، بالإضافة الى التصرف في الأصول غير المالية، والتصرف في الاصول المالية وتحمل الخصوم.

وبالمثل يقسم جدول الاستخدامات (النفقات) في تقديريات الموازنة العامة للدولة على 5 ابوب هي: الأجور وتعويضات العاملين، والنفقات على السلع والخدمات والممتلكات، والاعانات والمنح والمنافع الاجتماعية، ونفقات غير مبوبة، بالإضافة الى اكتساب الأصول غير المالية، واكتساب الأصول المالية وتسديدات الخصوم.

وبتفصيل أكثر يظهر جدول الباب الأول (أجور وتعويضات العاملين) الفصل الأول (المرتبات والأجور وما في حكمها على مستوى البند والنوع، في تقديريات موازنة 2019م، (جدول رقم 2) يظهر توزيع بيانات هذا الفصل الى المرتبات الأساسية واجور تعاقدية مؤقتة واجور العمل الإضافي واجور المكافآت واجور بدل طبيعة العمل، واجور بدل مظهر وبدل ريف وبدل سكن والتي حسب الجدول كانت تصرف لموظفي وزارة التربية والتعليم والمدرسين.

وبالنظر الى ماهية وتقسيم الموازنة، وبيانات جداول تقسيم وتبويب الموازنة العامة للدولة فلا شيء يبرر مخاوف رئيس مسمى المجلس السياسي الاعلى في صنعاء مهدي المشاط، من تقديم الموازنة لمجلس النواب في صنعاء وعرضها علناً.

وبافتراض اطلاع لجنة العقوبات في مجلس الأمن على بيانات ومحتويات الموازنة، فلا ضرر سيلحق اليمنيين من ذلك، فليس من وظائف مجلس الامن ولجان العقوبات معاقبة موظفي وزارة التربية والتعليم في اليمن لاستلامهم بدل ريف (مثلا)، وليس من مهام مجلس الأمن معاقبة اليمنيين أو حكومتهم أو أحد مسئوليهم بسبب جمع إيرادات ضريبية (مثلا)، وهو ما يعني عدم دقّة وعدم صوابية حجج المشاط لحجب الموازنة العامة للدولة وعدم تقديمها الى مجلس النواب حسب الدستور والقوانين اليمنية.

اعتمادات غير مبوبة 

وبافتراض خشية المشاط لفت أنظار لجنة العقوبات في مجلس الأمن إلى ظهور إيرادات / نفقات كبيرة وضخمة في بند من بنود الموازنة العامة للدولة، فان المادة (27) من لائحة القانون المالي اجازت "لاعتبارات يقرها مجلس النواب ان تدرج بالموازنة العامة للدولة اعتمادات بصفة اجمالية دون التقيد بتقسيمات الموازنة"، وعلى أن يتم "بقرار من وزير المالية وبناء على طلب الجهة المختصة انشاء الفصول والبنود والانواع التي لم تذكر ضمن نفقات الموازنة مقابل وفر في سائر اعتمادات فصول وبنود وانواع الباب المختص"، مثلما نصت اللائحة على جواز "تعديل التقسيمات الداخلية لابواب الايرادات وانشاء فصول وبنود وانواع جديدة بها بناء على طلب الجهة المختصة وفقا لمقتضيات الاحوال بقرار من وزير المالية".

ومن هذه الثغرة القانونية يتعزز بطلان حجج مهدي المشاط وتعتبر تبريراته لحجب الموازنة العامة للدولة مجرّد تبريرات تضليلية وانصاف حقائق وفيها خداع للجمهور وتضليل للرأي العام، فلا مبرر لحجب موازنة الدولة عن البرلمان والجمهور في ظل إمكانية ادراج اعتمادات بالموازنة العامة بصفة اجمالية دون التقيد بتقسيمات الموازنة وإمكانية انشاء فصول وبنود وأنواع جديدة في تبويب وتقسيمات الموازنة.

بيانات تقديرية وليست فعلية 

كذلك فإن بيانات الموازنة العامة للدولة تظل بيانات تقديرية، خلافا للحسابات الختامية للموازنات العامة والتي تشتمل على الايرادات والنفقات الفعلية للموازنات العامة موزعة على الابواب والفصول والبنود والانواع والمجموعات والحسابات، والتي حسب المادة (29) من اللائحة تعرض "على مجلس الوزراء ثم تعرض على مجلس النواب في مدة لا تزيد على تسعة اشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية للتصديق عليها بقوانين"، فهل وجه المشاط بحجب بيانات الحسابات الختامية عن مجلس الوزراء أيضاً؟ ومن هي الجهة التي ناقشت الحساب الختامي إذاً؟

حسب الخبير الاقتصادي، على الهمداني، فإن حجب الموازنة العامة للدولة يضر بالبلد والاقتصاد الوطني ويدل على ممارسات فساد مالي وإداري وتوظيف غير سليم للأموال العامة في صنعاء، منوها الى أهمية تفعيل مبادئ الحكم الرشيد والنزاهة والشفافية واشراك مؤسسات الدولة الموجودة للاشراف على توزيع الأموال العامة، وبما يعزز الثقة ويدعم الشفافية بين مستويات الحكومة المختلفة، والجهات المانحة ومنظمات المجتمع الدولي في اليمن.

ويعتقد الهمداني أن مثل هذه الخطوات سوف تساعد "على تشجيع الجهات الدولية المانحة على تزويد المساعدات المالية وتوجيه الدعم الدولي للموازنة العامة بما يعزز التنمية الاجتماعية الاقتصادية طويلة الأمد".

عجز قياسي في الموازنة وارتفاع كبير للمديونية  

في تقريره عن المستجدات المالية 2016، يلحظ مركز صنعاء للدراسات والبحوث، تجاوز نسبة عجز الموازنة العامة الصافي الحدود الآمنة (- 15.4 من الناتج المحلي الاجمالي) عام 2015، منوها الى وجود صعوبة في تمويل عجز الموازنة من موارد حقيقية بسبب فقدان أكثر من نصف الايرادات العامة للدولة وتراجع الطلب على أذون الخزانة والسندات الحكومية.

واعتبر المركز اللجوء إلى تمويل عجز الموازنة عبر الاقتراض المباشر من البنك المركزي اليمني بنسبة بلغت 84% من إجمالي قيمة عجز الموازنة عام 2015، سوف ينطوي ذلك على مخاطر كثيرة "أهمها: زيادة الضغوط على ميزان المدفوعات، إضعاف العملة الوطنية، ارتفاع معدلات التضخم وتدني مستويات المعيشة، وارتفاع عبء الدين العام المحلي".

ولفت مركز صنعاء إلى زيادة أعباء الدين العام في الموازنة العامة للدولة بارتفاع "إجمالي رصيد الدين العام من 22.1 مليار دولار عام 2014، إلى 25.9 مليار دولار عام 2015 وبما يمثل 65.5% و94.4% من الناتج المحلي الاجمالي لنفس السنوات على التوالي"، وارتفاع القيمة المطلقة للدين المحلي ونسبته إلى الناتج المحلي الاجمالي بصورة كبيرة عام 2015 وكذلك ارتفاع عبء المديونية إلى مستويات تنذر بالخطر. 

حسب تقرير المستجدات الاقتصادية الصادر عن وزارة المالية مارس 2016م، فإن المالية العامة في اليمن تعاني من اختلالات مزمنة أضعفت قدرتها في القيام بوظيفتها التنموية والاجتماعية المأمولة.

وأشار التقرير إلى تعرض المالية العامة عام 2015 لصدمات قوية وغير مسبوقة في جانبي الايرادات والنفقات، ذكر التقرير منها انخفاض إجمالي الايرادات العامة للدولة بحوالي 53.7% عام 2015 مقارنة بما كانت عليه عام 2014، وأوضح التقرير أن اجمالي الإيرادات باتت غير قادرة على تغطية المرتبات والاجور منذ شهر يونيو 2015، وحسب التقرير فإن ذلك يعود إلى تدهور معظم مكونات الايرادات العامة للدولة.  

وتدحض هذه البيانات من جهتها مزاعم/ مخاوف القيادي الحوثي مهدي المشاط لحجب الموازنة العامة للدولة، ومخاطر وقوعها في ايدي لجنة العقوبات بمجلس الأمن، فما الذي سوف يغري مجلس الأمن أو لجنة عقوباته في موازنة دولة فقيرة تجاوز العجز في موازنتها المالية السنوية الحدود الآمنة؟ ووصلت أعباء مديونيتها الى مستويات تنذر بالخطر؟!

الموازنة في الدستور والبرلمان

في مادته رقم (88) يوجب دستور الجمهورية اليمنية عرض مشروع الموازنة العامة على مجلس النواب قبل شهرين على الأقل من بدء السنة المالية، ويتم التصويت على مشروع الموازنة باباً باباً وتصدر بقانون، وفي المادة (89) يشترط الدستور وجوب موافقة مجلس النواب على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة وكل مصروف غير وارد بها او زائد في إيراداتها يتعين ان يحدد بقانون.

وتنص المادة (90) من الدستور على وجوب عرض الحساب الختامي لموازنة الدولة على مجلس النواب في مدة لا تزيد عن تسعة اشهر من تاريخ انتهاء السنة المالية، وعلى أن يتم التصويت عليه بابا بابا وتصدر مصادقة المجلس بقانون، "كما يجب عرض التقرير السنوي للجهاز المختص بالرقابة المحاسبية وملاحظاته على مجلس النواب".

حسب اللائحة الداخلية لمجلس النواب، الفصل الثالث، المادة 165 فإنه يجب عرض مشروع الموازنة العامـة على مجلس النواب قبل شهرين علـى الأقـل مـن بـدء السـنة المالية، ويتم التصــويت علــى مشــروع الموازنــة بابــاً بابــاً وتصــدر بقــانون.

ووفقا لهذه اللائحة فلا يجوز لمجلس النواب تعديل مشروع الموازنة الا بموافقة الحكومة، "كما لا يجوز تخصيص أي ايراد من الإيرادات لوجه معين من أو جه الصرف الا بقانون"، وجاء في لائحة مجلس النواب: "اذا لم تعرض الحكومة الموازنة في موعدها المحدد فإن للمجلس الحق في طلبها للمساءلة عن أسباب التأخير".

يذكر أن الحكومة المعترف بها دوليا كانت أقرت في فبراير 2019 مشروع الموازنة العامة للدولة للعام المالي 2019م، بإجمالي تقديرات الموارد العامة بكافة محافظات الجمهورية تريليونان ومائة وتسعة وخمسين ملياراً ومئتان وواحد وسبعين مليون ريال، واجمالي تقديرات النفقات على المستوى الوطني نحو ثلاثة تريليونات ومائة وأحد عشر ملياراً ومائة وثلاثة وخمسين مليون ريال، وبعجز مالي يبلغ نحو 30 بالمائة.

وتضمنت تقديرات الإيرادات الحكومية في الموازنة في المناطق غير المحررة (مناطق الحوثي) بـ692 مليار ريال، في حين سجلت النفقات المتوقعة لهذه المناطق 298 مليار ريال.

المصادر والمراجع:

- بيانات الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2019 

-  موقع وزارة المالية 

- بيانات مجلس النواب – موقع مجلس النواب 

- القانون المالي – موقع النيابة العامة 

- وزارة التخطيط والتعاون الدولي

- وزارة المالية نشرة مارس 2016

- موقع وزارة الخارجية وشئون المغتربين- عدن 

- مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية