باقحوم.. من طفل هاوٍ إلى مصور محترف ينقل لنا جمال الدراما وروعة الفن

المخا تهامة - Tuesday 15 August 2023 الساعة 09:33 am
المخا، نيوزيمن، خاص:

بينما كان يستغرق في تفاصيل اللقطة التي أوشك على التقاطها أعادته تلك اللحظات إلى بدايات حياته كطفل تملكه شغف التصوير، ورافقته الكاميرا منذ أن كان في السابعة من عمره.

ولد محمد في مدينة الشحر بمحافظة حضرموت عام 2001، ونشأ في أسرة بسيطة تحب الفن والثقافة. كان والده يعمل في مكتبة عامة، وكان يأخذ محمد معه إلى العمل، حيث كان يستمتع بقراءة الكتب والمجلات، خاصة تلك التي تحتوي على صور جميلة ومعبرة.

في عيد ميلاده السابع، أهدته والدته كاميرا رقمية بسيطة، وكانت أجمل هدية حصل عليها في حياته، بدأ محمد في استخدام الكاميرا لتصوير كل شيء يلفت انتباهه: أصدقاءه، أسرته، حارته، طبيعته، كان يشعر بالسعادة عندما ينظر إلى الصور التي التقطها، وكأنه يروي قصصا صغيرة عن حياته.

في أحد الأيام، شاهد محمد إعلانا عن مسابقة لأفضل فيلم قصير، فأحضر أصدقاءه، وقرر أن يصور فيلما، عن قصة "الدينار" التي قرأها في إحدى المجلات.

استخدم محمد الكاميرا التي أهدتها له والدته، وأخذ دور المخرج والمصور في نفس الوقت، اختار زوايا التصوير بعناية، وأخضع المشاركين لبروفات مكثفة، استغرق تصوير الفيلم ثلاثة أيام، ثم قام بالمونتاج باستخدام برنامج بسيط على جهاز الكمبيوتر.

أرسل محمد فيلمه إلى المسابقة، وانتظر بفارغ الصبر نتائج التحكيم، لم يكن يتوقع أن يفوز بأي جائزة، فكان يشارك من باب المتعة والتجربة، لكن لحظات قبل إعلان الفائز، سمع اسمه كثالث فائز في المسابقة.

 كان هذا صدمة سارة لمحمد، الذي انطلق إلى المنصة بفرحة عارمة، واستلم جائزته، وهي كاميرا احترافية جديدة.

كانت هذه اللحظة بداية مشوار محمد في عالم التصوير الفني، فانضم إلى فرقة السنابل للدراما عام 2012، كمساعد مصور ثالث، تعلم خلالها من خبرات المصورين الأكبر منه سنا وخبرة، وحلم بأن يصبح مصورا محترفا يشارك في إنتاج أعمال درامية كبيرة، لكن الحظ لم يكن في صالحه، حتى وجد الفرصة لإثبات نفسه.

يقول محمد لنيوزيمن، في ذلك اليوم، غاب المصور الأساسي ومساعده عن التصوير لظروف خارجة عن إرادتهما، كان المخرج في حيرة من أمره، فلا بد من استكمال التصوير.

كان ينظر إلى الطفل الهاوي للتصوير، الذي كان يقف في زاوية الموقع، وهو يحمل الكاميرا بيديه بنظرات يغالبها الشك وكأنه يقول هل هو بالفعل قادر على تنفيذ هذا العمل.

وفي لحظة تفكير رأى في عينيه نور الطموح والثقة، وقرر المخرج أن يجازف، وسلم الكاميرا للطفل المبتدئ ذي الرابعة عشر عاما.

لم يخذل باقحوم ثقة المخرج. بل بدأ في اختيار زوايا التصوير ببراعة وإبداع، والتقط لقطات ممتازة تجسد المشهد بأفضل صورة.

كان عملا مبهرا يروي "باقحوم" لنيوزيمن لحظات الثناء التي حصل عليها، وأثبت أنه مصور موهوب وجدير بالثقة، ومن تلك اللحظة انطلقت نجوميته في سماء التصوير، وأصبح المصور الأول لفرقة السنابل.

ولم يتوقف عن التطور والتعلم بل واصل في صقل مهاراته، وشارك في تصوير عدة أفلام قصيرة وطويلة مع فرقة السنابل، ولاحقا انضم إلى فريق الفنان والمخرج الشهير زيدون العبيدي، الذي اكتشف موهبته وساهم في بروزها وتألقها. 

كان للعبيدي دور كبير في تشجيع الطفل الموهوب، إلهامه وتوجيهه ووضعه تحت إشرافه، فأبدع محمد في تصوير ثلاثة مسلسلات درامية، هي العالية، خارج التغطية، ودنيا العجب.

ولم يكن هذا كل شيء، فقد حالف الحظ باقحوم بأن يلتقي بالمخرج الكبير ومجدد الدراما اليمنية فلاح الجبوري، الذي اختاره ليكون مصورا في مسلسل "الحجل والزفين"، و كانت هذه فرصة ذهبية لباقحوم للتعرف على أسرار التصوير والإضاءة من خلال التعامل مع المخرج الأسطورة. 

في عام 2022م، شارك محمد باقحوم في تصوير مسلسل العاصفة الذي جمعه بالخبير السوري جعفر البيطار، أحد أشهر المصورين في الوطن العربي، فتعلم  الشاب اليمني من خبرة البيطار، ونال منه لقب مدير تصوير، وهو أعلى منصب في هذا المجال.

قصة محمد باقحوم هي قصة نجاح ملهِمة، تروي كيف استطاع شاب يمني أن يحقق حلمه بالتصوير رغم صغر سنه وضعف إمكانياته، من خلال الإصرار والجد والإبداع، فأصبح محمد اليوم عين الكاميرا المبهرة التي تنقل لنا جمال الدراما وروعة الفن.