رمضان أسود على سكان صنعاء.. جوع وخوف وإذلال

تقارير - Sunday 02 April 2023 الساعة 12:01 pm
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

فرضُ جبايات وإتاوات وتضييق الخناق على التجار وعرقلة مشاريع إغاثية ونهب ممتلكات خاصة، هذه علامات بسيطة مما يعيشه سكان المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، منذ دخول شهر رمضان الفضيل.

وكعادتها تستغل المليشيا الحوثية شهر رمضان، من أجل تصعيد انتهاكاتها وجرائمها بحق المواطنين القاطنين في مناطق سيطرتها، وتحويل هذا الشهر إلى منفذ لجمع الجبايات وفرض الإتاوات ونهب الممتلكات ومنع إيصال المساعدات للفقراء والمحتاجين. ناهيك عن تضييق الخناق على الأهالي في دور العبادة وحشد مزيد من المقاتلين وغيرها من الإجراءات التعسفية التي تطال المواطنين.

جبايات تحت خانة الزكاة 

خلال شهر رمضان الجاري، وضعت الميليشيا الحوثية خطة تتضمن الاستحواذ على كامل مصارف الزكاة، عبر إرسال رسائل وتعميمات تطالب المواطنين والتجار وكل المكلفين بدفع الزكاة وتسليم ما عليهم من مبالغ لصالح ما تسمى "الهيئة العامة الزكاة" التابعة لهم، والتي قاموا بتأسيسها من أجل السيطرة على أموال الزكاة، بالرغم من أن هناك جهة حكومية معتمدة بجمع هذه الأموال تعرف بـ"إدارة الواجبات الزكوية".

ووفقا لتصريحات حوثية فإن إيرادات زكاة صنعاء فقط خلال العام 2021م بلغت أربعة مليارات و122 مليونا و249 ألف ريال، بزيادة عن العام 2020م بمبلغ مليار و770 مليونا و465 ألف ريال. وهذه أموال تم تحويلها لحسابات بنكية تديرها قيادات حوثية بارزة تحت غطاء "الهيئة العامة للزكاة".

وقال أحد تجار صنعاء لـ"نيوزيمن": تفاجأنا بمشرفين حوثيين يبلغوننا بأن دفع الزكاة لهذه العام سيكون لهيئة الزكاة التابعة لهم، وأن الرافضين سيتم اتخاذ بحقهم إجراءات قانونية، مشيرا إلى أنه وعلى مدى سنوات طويلة كان يقوم بتسليم ما عليه من زكاة إلى "إدارة الواجبات الزكوية" كونها الجهة الحكومية الرسمية المخولة بذلك.

وأشار إلى أن مشرفين حوثيين يقومون بالنزول بشكل دوري ومستمر إلى التجار والأسواق والمحال التجارية من أجل مطالبتهم بسرعة دفع الزكاة أو التعرض للإجراءات بحقهم، بينها السجن وغلق المنشأة التجارية وصولاً إلى مصادرة الأموال بالقوة.

الله يحب المحسنين.. جباية جديدة

ومع دخول شهر رمضان تبتكر المليشيا الحوثية الكثير من الطرق والأساليب من أجل أخذ أموال المواطنين والتجار تحت مسميات عدة، كان آخر تلك الطرق إطلاق حملة "والله يحب المحسنين".

وقال مواطنون في مديرية التحرير بوسط صنعاء لـ"نيوزيمن": إن عناصر حوثية بدأت بتوزيع منشورات على المواطنين في المساجد والأحياء السكنية وعلى أصحاب المحال التجارية والتجار، تطالبهم بالمساهمة ودفع أموال لصالح إنجاح حملة "والله يحب المحسنين"، موضحين أن الحوثيين يستغلون الشعارات الدينية من أجل فرض الجبايات والإتاوات ونهب ما تبقى من أموال لدى المواطنين الذين تم نهب مرتباتهم وحرمانهم منها لسنوات منذ اجتياح صنعاء في العام 2015.

ولم تكتف الميليشيات بحملات الجباية بل بدأت بعملية مساومة للحصول على أكبر قدر من الأموال. حيث يقوم مشرفون حوثيون في عدة أحياء سكنية بصنعاء بتوزيع ظروف فارغة على منازل المواطنين، ويطالبونهم بوضع مبالغ مالية في تلك الظروف قبل أن يعودوا لاستلامها.

وقال الحاج عمر أبو "مبارك" لـ"نيوزيمن"، أنا من سكان شارع هائل المشهور في صنعاء، وأنا موظف وليس لي مصدر دخل رئيسي غير راتبي المنقطع منذ سنوات. تفاجأت بعناصر مسلحة تدق منزلي وتطالبني بوضع مال في الظرف الذي يقومون بتوزيعه. وكوني لا أملك شيئا لم استطع دفع أي مبلغ، وهو ما دفع المشرفين الحوثيين بمنع حصولي على اسطوانة غاز كانت مخصصة لي ضمن قائمة التوزيع.

وأشار عدد من المواطنين في ذات الحي أن المشرفين الحوثيين بدأوا بمساومة المواطنين "دفع الإتاوات في الظرف مقابل الحصول على أسطوانة الغاز"، موضحين أن حملة جمع الإتاوات تشرف عليها المجالس المحلية واللجان الاشرافية التابعة للميليشيا في صنعاء والأحياء السكنية.

الجوع سلاح حوثي

الكثير من الأسر الفقيرة والمحتاجة في مناطق الحوثي تنتظر شهر رمضان بفارغ الصبر، كونها تتسلم مساعدات مالية بسيطة وسللا غذائية تسد رمق جوعهم خلال هذا الشهر الفضيل. فالكثير من التجار وفاعلي الخير ينشطون في مبادرات ومشاريع إغاثة وتوزيع مساعدات تخفف بشكل بسيط جدا من المعاناة التي تتجرعها مئات الآلاف من الأسر في مناطق سيطرة الميليشيات.

ومنذ مطلع رمضان الحالي فرضت ذراع إيران، مزيداً من القيود المشددة؛ لمنع التجار وفاعلي الخير من توزيع المساعدات على الفقراء، في مناطق سيطرتها. حيث قامت فرق حوثية بمصادرة أطنان من المساعدات الغذائية المخصصة للفقراء والمحتاجين قبيل توزيعها من قبل بعض فاعلي الخير والتجار إلى جانب تنفيذ حملة اعتقالات تعسفية بتهمة عمل الخير والتبرع للأسر الفقيرة والمحتاجة.

رغم التحذيرات الأممية والدولية بأن هناك ملايين من اليمنيين يعانون من خطر الجوع الكارثي، إلا أن الميليشيات الحوثية تواصل محاربة أعمال الإغاثة وإعاقة وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر احتياجاً.

وقال عدد من المستفيدين في صنعاء لـ"نيوزيمن": جرت العادة أن يقوم تجار وفاعلو الخير ورجال أعمال معروفون بتوزيع مساعدات غذائية وزكاة لعدد كبير من الأسر المعوزة والأشد فقراً. إلا أن هذا العام منعت الميليشيات عملية التوزيع، وطالبت التجار أو أي جهة تنوي توزيع مساعدات تسليمها لهم لتولي عملية الصرف. حيث يتم الاكتفاء بتسليم المساعدات لعناصر الميليشيات أو الموالين لهم، بذريعة أنهم هم الأكثر استحقاقاً للمساعدات وحرمان باقي الفئات المحتاجة.

ووفقاً لمعلومات أمنية فإن الميليشيات قامت باعتقال أكثر من 13 تاجراً وفاعل خير في صنعاء وضواحيها منذ بداية شهر رمضان. بتهم تجاوز التعليمات وتقديم مساعدات للفقراء. وأجبرت الميليشيات التجار ورجال الخير المعتقلين، على دفع أضعاف المبالغ المخصصة للفقراء، كغرامات لمخالفتهم تعليماتهم وعدم تسليمهم المساعدات الرمضانية.

الانتهاكات الحوثية في رمضان دفعت بالكثير من التجار ورجال الأعمال وفاعلي الخير إلى التوقف عن تقديم أي معونات للمحتاجين في ظل تصاعد عمليات النهب الحوثية والتضييق، وهو ما حرم الكثير من الأسر المحتاجة التي كانت تنتظر المساعدات لسد جوعها.

الوضع مخيف 

استمرار الحوثيين في تقييد توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق سطوتهم، فاقم من أوضاع الأسر المهددة بخطر المجاعة، وزاد أيضا من دائرة انعدام الأمن الغذائي، وتقليل مشاريع الاستجابة الإنسانية الهادفة للتخفيف من وطأة الأزمة التي تطارد ملايين السكان.

وفي بيانها الأخيرة أكدت منظمة «أوكسفام» الدولية، أن الاقتصاد اليمني يتهاوى بشكل سريع، في ظل زيادة أسعار الوقود والسلع الأساسية الأخرى بشكل مخيف»، مضيفة: «كل هذا يترك ملايين اليمنيين في مواجهة خطر الجوع الكارثي، حيث لا يزال أكثر من 17 مليون شخص يعانون من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي (75 في المائة منهم من النساء والأطفال».

وأوضحت المنظمة: «أن الشعب اليمني منهك من الحرب، وأن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والرواتب غير المدفوعة، وغيرها من العوامل تقوض الوصول للمواد الغذائية الأساسية إلى متناول العديد من اليمنيين».