بين إعلان بكين وهدنة اليمن.. "الحاجة" أُمُّ الاتفاق

تقارير - Sunday 12 March 2023 الساعة 06:54 am
عدن، نيوزيمن، عمار علي أحمد:

أحدث الإعلان المفاجئ للسعودية وإيران، الجمعة، باستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما عقب محادثات رعتها الصين، الجدل والتساؤلات حول مدى صمود الاتفاق وقدرته على تسوية حرب "باردة" مستمرة بين الطرفين منذ عقود حول النفوذ وملفات عدة بالمنطقة.

جدل وتساؤل ينبع من الفقرة الأولى لهذا الإعلان، والتي تشير إلى أن الاتفاق على استئناف العلاقات الدبلوماسية عقب محادثات رعتها الصين استمرت لمدة 4 أيام فقط، في حين يشير الإعلان في فقرة أخرى إلى المحادثات السرية التي خاضها الطرفان طوال العامين الماضين في العراق وعُمان دون التوصل إلى أي اتفاق.

نجاح محادثات الصين في 4 أيام فيما عجزت عنه محادثات استمرت لعامين، يشير إلى وجود مصلحة أو دافع قوي لدى الأطراف الثلاثة للتوصل إلى اتفاق أقرب إلى أن يكون "تهدئةً" أو اتفاقاً لتجميد الصراع بين الرياض وطهران أكثر منه اتفاق تسوية لإنهاء الصراع الذي يمتد لعقود وعلى ملفات وساحات كثيرة.

وإحدى هذه الساحات هي اليمن الذي يعيش حالياً حالة من "اللا سلم واللا حرب" مع استمرار فشل التوصل إلى اتفاق لتمديد الهدنة الأممية والتي تقترب من عامها الأول، دون أن تنجح في هدفها الرئيسي في دفع الأطراف إلى الانتقال لمفاوضات تسوية شاملة لإنهاء الحرب في اليمن.

الفشل الذي يعتري مسار الهدنة في اليمن يعود في أساسه إلى الظروف التي دفعت الأطراف إلى القبول بها ومثلت إنقاذاً لها من الفشل والهزيمة أكثر منها رغبة حقيقية في إنهاء الحرب وإحلال السلام، وهو ما انعكس لاحقاً بالفشل المستمر منذ أكثر من 5 أشهر على تجديدها، وخاصة لدى الطرف الأهم والمتسبب في الحرب وهي جماعة الحوثي.

فموافقة الحوثي، والذي يمثل ذراع إيران في اليمن، على الهدنة في أبريل/نيسان من العام الماضي، لم يأتِ إلا كخيار إجباري عقب شهرين فقط من الهزيمة العسكرية التي لحقت به في شبوة على يد قوات العمالقة الجنوبية، وأتت أيضاً لتقضي على أحلامه بالسيطرة على منابع النفط والغاز في مأرب بعد عامين من المعارك تكبدت فيها مليشيات الحوثي خسائر فادحة يصعب تعويضها.

مثلت الهدنة إنقاذاً للحوثي أمام أنصاره وتغطية على حقيقة عجزه العسكري عن الاستمرار في معركة مأرب بعد هزيمة شبوة، وأيضاً تمثل فرصة لالتقاط الأنفاس وإعادة ترتيب صفوفه وحشد المقاتلين لمعاركه القادمة، والحصول على مكاسب مالية من خلال الهدنة عبر فتح ميناء الحديدة لشحنات النفط الإيراني.

وعلى المقابل كانت الهدنة أيضاً خياراً إجبارياً للسعودية قائدة التحالف بعد الحصاد المُر الذي حصدته عسكرياً في جبهات الشمال التابعة للشرعية والوصول إلى قناعة بفشل الخيار العسكري في ظل بقاء منظومة الشرعية وضرورة إعادة تشكيلها وضم كافة القوى على الأرض لتتولى لاحقاً التعامل مع الحوثي إما عسكرياً أو سياسياً وهو ما حصل بتشكيل مجلس القيادة الرئاسي بعد أسبوع واحد من إعلان الهدنة الأممية.

المشهد اليمني لما قبل وما بعد الهدنة، يتطابق إلى حد ما مع مشهد ما قبل إعلان المصالحة الصينية بين طهران والرياض، وقد يتطابق لاحقاً، إذا لم نشهد تنفيذاً لنصوص المصالحة خلال الشهرين وهي ذات المدة التي نص عليها اتفاق الهدنة في اليمن.

المتتبع للمشهد في إيران خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وتحديداً منذ نجاح أمريكا في اغتيال الرجل الثاني في النظام الإيراني قاسم سليماني، يدرك حجم الأزمة التي يعاني منها النظام سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وانعكست أيضاً على أذرعه في كل من اليمن والعراق وسوريا ولبنان.

فلم يكن اغتيال الرجل إلا فاتحة لاختراق شامل للمنظومة الإيرانية من قادة مليشيات أو مسئولي البرنامج النووي، ووصل الأمر إلى اغتيال المسئول الأول وفي قلب طهران أواخر 2020م، فضلاً عن الضربات الأخيرة التي باتت مواقع هذا البرنامج يتلقاها مؤخراً من قبل الطيران المسير الأمريكي والإسرائيلي.

وإلى جوار ذلك، يعيش النظام الإيراني حالياً أزمة حقيقية بتزايد الرفض الشعبي وتزايد الأزمة الاقتصادية وما فرضته العقوبات الأمريكية من خنق تام لمصادر العملة الصعبة لينهار معها الريال الإيراني والذي وصل الأسبوع الماضي إلى سقف 600 ألف مقابل الدولار الواحد.

أزمة اقتصادية طاحنة تجعل من النظام الإيراني بأمس الحاجة إلى حليف اقتصادي قوي ينقذه منها، وهو ما يراه حالياً في الصين التي تسعى بشكل حثيث إلى منافسة أمريكا على زعامة العالم ولكن من بوابة الاقتصاد، ويتجلى ذلك واضحاً عبر مجموعة بريكس BRICS التي تقودها حالياً وتضم دولاً كبرى واقتصادات ثقيلة كروسيا والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا.

تسعى الصين إلى تحويل المجموعة إلى أداة اقتصادية في مواجهة الغرب وتحديداً أمريكا، وضم دول اقتصادية ناشئة كالسعودية وإيران اللتين تقدمتا بطلب رسمي للانضمام للمجموعة، وهو ما يفسر مشهد المصالحة في بكين بين الدولتين، وإشارة البيان إلى أنها "استجابة لمبادرة من الرئيس الصيني شي جين بينغ".

مصالحة تخدم أيضاً السعودية والتوجه الذي يقوده ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في تعزيز المكانة الإقليمية للسعودية سياسياً واقتصادياً في منطقة الشرق الأوسط التي قال بأنها ستكون "أوروبا الجديدة"، وهو هدف لا يتأتى إلا بإغلاق بؤر الصراع في هذه المنطقة، وهنا يأتي مشهد المصالحة في بكين.