”وجبة الغداء دخيلة“.. الكهنوت الحوثي يهيئ اليمنيين للتطبيع مع الجوع

تقارير - Tuesday 28 February 2023 الساعة 07:51 am
صنعاء، نيوزيمن، خاص:

بدأت مليشيا الحوثي- الذراع الإيرانية في اليمن- التسويق لـ”قوننة“ الوجبات الغذائية اليومية وتهيئة المجتمع للتطبيع مع الجوع، لتكتمل بذلك أضلاع مثلث مشروعها الكهنوتي (الفقر، المرض، والجهل)، كقاعدة تاريخية اتّسم بها حكم الاستبداد الإمامي لليمنيين ردحاً من الزمن، حتى جاءت ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م.

ليس اعتباطاً ولا هي زلّة لسان، ما تحاول مليشيا الحوثي تسويقه للمجتمع اليمني من خرافات وتدخلات سافرة في غذاء اليمنيين ووجبات طعامهم، وصحّة أجسامهم، وتنشئة وتعليم أطفالهم.

وخلال الأيام القليلة الماضية يتسابق متزلّفون في صفوف الجماعة للتشكيك علناً في جدوى وجبة طعام الغداء، فيما يعدّ استخفافاً باليمنيين، ومحاولة للوصاية عليهم في توقيت ونوعية مأكلهم ومشربهم، وإشغالهم في ذات الوقت عن المطالبة بحقوقهم المكفولة دستورياً.

تزيين الفقر والتطبيع للمجاعة 

يرى الباحث الاجتماعي، علي النهمي، أن حديث نشطاء مليشيا الحوثي عن وجبة الغداء، إنما يأتي في سياق منظم لمحاولة تطبيع المجتمع اليمني على المجاعة كواحدة من مفردات منهجية الفقر والإفقار للسكان، وهي المنهجية التي قام عليها حكم الإمامة. 

وأشار إلى أن المليشيا تعتقد أن إبقاء اليمنيين منهمكين أو غارقين في مستنقع الفقر، سيبقيهم أسرى لملء بطونهم وإشباع جوع أطفالهم، والتنازل عن حقوقهم في الحياة بحرية وكرامة متمتعين بالحقوق الدستورية المكفولة بما فيها المشاركة في السلطة وفقا لمبادئ وآلية النظام التعددي الديمقراطي في الجمهورية اليمنية.

وزعم ناشط حوثي في فعالية محدودة أن "وجبة الغداء دخيلة"، فيما يعتقد آخر أن اللقاحات والأدوية مصنوعة من المشتقات النفطية، وهي مزاعم باطلة تفندها العلوم في مختلف المجالات.

ويأتي حديث وجبة الغداء في وقت تؤكد الأمم المتحدة، أنّ مستويات الجوع في اليمن لا تزال مرتفعة بشكل مثير للقلق، مع وجود أكثر من 17 مليون يمني، بحاجة إلى المساعدات الغذائية خلال العام 2023م.

محاولة إعادة الأمراض والأوبئة

وفي سياق متصل، تشن مليشيا الحوثي حملات مشابهة في مجال الصحة والتحصين ضد الأمراض والأوبئة بمزاعم باطلة تفتقر لأبسط الأدلة والبراهين العلمية الموثوقة.

وبينما يعتبر نشطاء في صفوف الجماعة اللقاحات ضد الأمراض (مؤامرات خارجية) ويزعمون أنها ضارة وتصنع للقضاء على البشرية، يؤكد أطباء وعاملون في قطاع الصحة نجاح اللقاحات في القضاء على معظم أمراض الطفولة في اليمن منذ قيام ثورة 26 سبتمبر 1962 وحتى اليوم.

علمياً وعملياً يؤكد الدكتور على المضواحي، أن اللقاحات "تنقذ الأطفال منذ بدأ إعطاؤها في اليمن عام 1959، وكان عدد السكان حينها 5.2 مليون، واليوم السكان 34 مليونا"، مشيراً كذلك إلى أن توقعات العمر عند الميلاد بلغت عام 1960 فقط 38 عاماً، بينما وصلت في عام 2020 إلى 65 عاماً.

وفي صفحته على (فيسبوك) لفت الطبيب المضواحي إلى دور اللقاحات في إنهاء مرض الجدري في اليمن عام 1969 "ولا توجد منذ ذلك التاريخ حالة واحدة في كل أنحاء العالم"، متسائلا: "فمن يدعي أنها تهلك الحرث والنسل عليه إثبات غير ذلك، والبحث عن حجة أخرى، لا يدفع أطفالنا حياتهم ثمناً لها".

وقد أدى تراجع برامج التحصين إلى عودة أمراض عدة كانت اليمن قد تخلصت منها في سنوات سابقة، مثل مرض شلل الأطفال والحصبة، وكشفت بيانات رسمية في صنعاء ظهور 226 حالة إصابة بفيروس شلل الأطفال، خلال الفترة من سبتمبر/أيلول 2021م، وحتى الأسبوع الرابع من العام الجاري 2023م.

وأعلنت منظمة اليونيسف، منتصف ديسمبر الماضي، إصابة 1400 طفل بمرض الحصبة، توفي منهم 15 طفلاً عام 2022م، فيما زعمت وزارة الصحة في صنعاء تسجيل 18 ألفاً و597 حالة إصابة، توفي منها 131 حالة، خلال ذات الفترة.

تنمية الجهل بتدمير التعليم 

إلى ميدان التعليم، فمنذ استيلائها على السلطة في سبتمبر/ أيلول 2014م، تعمل مليشيا الحوثي على إفراغ التعليم من مضمونه، وتسعى لتجهيل الناشئة والشباب ومحاربة التعليم بدءًا بقطع مرتبات المعلمين وأولياء الأمور من موظفي الدولة، ومروراً برفع رسوم التعليم في المدارس الحكومية والخاصة، وتعطيل اليوم الدراسي والعبث بالتقويم المدرسي في فعاليات طائفية وتحريض على العنف والكراهية، وليس انتهاءً بتغيير المناهج وتسطيح المقررات الدراسية وصبغها مذهبياً وطائفياً بخرافات الجماعة.

ويرى الباحث علي النهمي، أن ممارسات مليشيا الحوثي في قطاعات (التعليم والصحة)، وأحاديث نشطائها عن وجبات الطعام، زوراً وبهتاناً، إنما هي سلسلة مترابطة تكشف عن مخططات الجماعة لإعادة مظاهر الحياة اليومية في اليمن إلى ما قبل ثورة 26 سبتمبر 1962، كخيار وحيد يضمن ديمومة بقاء الجماعة مستلبة للسلطة، مقابل بقاء المجتمعات في مناطق سيطرتها في حالة احتياج لها ورهائن للجوع والأمراض والأوبئة.

وانتقد النهمي مواقف الأطراف الأخرى المتسمة بالسخرية والتندر من أطروحات مليشيا الحوثي في هذا السياق، وقال: "لا يجب الاكتفاء بالسخرية"، معتقداً أن مليشيا الحوثي تستهدف كذلك اختبار وعي وجسّ نبض المجتمعات المحلية في مناطق سيطرتها، وقال: "على الأطراف من خارج مناطق الحوثي نقد وتفنيد خرافاتها بمنهجية علمية ورؤية موضوعية داحضة لأوهامها".