دفع الجباية أو نهب الحارس القضائي.. الحوثي ينهش القطاع الخاص في إب

الحوثي تحت المجهر - Friday 17 February 2023 الساعة 08:21 am
إب، نيوزيمن، خاص:

أصبحت المستشفيات الأهلية في محافظة إب، الواقعة تحت سلطة الميليشيات الحوثية، ذراع إيران في اليمن، أمام خيارين لا ثالث لهما، إما الالتزام بدفع الجبايات والإتاوات التي تحددها قيادات حوثية بارزة في المحافظة أو الوقوع بحيلة تنصيب ما يسمى "الحارس القضائي"، وهي طريقة خبيثة ابتكرتها الميليشيات لنهب القطاع الخاص والاستحواذ عليه.

مستشفى "الجبلي" التخصصي لعلاج أمراض العيون، وهو أحد المستشفيات الأهلية الخاصة التي تحظى بشعبية كبيرة ويرتاده الكثير من المرضى من أبناء محافظة إب وما جاورها، تفاجأت إدارة هذه المنشأة الصحية بقرار أصدرته الميليشيات الحوثية بتعيين ما يسمى "الحارس القضائي"، والسيطرة عليه بقوة السلاح.

ما تعرض له المستشفى من عملية مداهمة واقتحام من قبل العصابة الحوثية، تؤكد أن هناك عمليات نهب منظمة تنفذها هذه الميليشيات للسيطرة على القطاع الخاص بعد عمليات الابتزاز وفرض الجبايات التي استمرت لسنوات منذ اجتياحهم للمحافظة في العام 2015.

نهب تحت جنح الليل

ما تعرض له مستشفى الجبلي من تطويق للمبنى ليلاً واقتحامه برفقة عدد من القيادات الحوثية تحت غطاء تسليمه للحارس القضائي، كان دليلاً على أن هناك عملية منظمة لنهب محتوياته، وفقاً لما أفادت به مصادر عاملة في المستشفى.

وبحسب المصادر: جاءوا ليلاً بأسلحتهم، وقاموا بحصار المستشفى وكأن فيه خلية إرهابية، قبل أن يتم اقتحامه من قبل فرقة مسلحة ترافق قيادات حوثية مشرفة على عملية نهب القطاع الصحي الخاص في إب. موضحة: لو كانت العملية نظامية ووفقاً للقانون كما يروجون له في أوساط إعلامهم، لكانت عناصرهم أتت في النهار وليس كاللصوص في جنح الليل.

وأضافت المصادر: ما حدث هو عملية نهب منظمة، فرقة أولى حاصرت المستشفى، وأخرى قامت بالدخول لغرفة المراقبة وتعطيل الكاميرات ونهب الأجهزة، في حين كانت تستعد فرقة ثالثة بمرافقة قياداتهم للدخول لتسليم المبنى للحارس القضائي الذي يأتي في الليل فقط.

تلفيق التهم لتبرير النهب 

ما حدث لمستشفى "الجبلي"، إلا واحدة من عمليات نهب ومصادرة ممتلكات خاصة طالت الكثير من المستثمرين والتجار العاملين في القطاع الخاص بمحافظة إب. خصوصا بعد رفض ملاك تلك المستشفيات الاستمرار في دفع الجبايات والإتاوات الحوثية التي يتم أخذها بالقوة تحت غطاء "دعم المجهود الحربي".

الاستحواذ على المستشفى جاء فقط بعد أيام من عملية مماثلة طالت مستشفى "دار الشفاء" التخصصي بمدينة إب، الذي تم تعيين حارس قضائي له، بعد أن تم تلفيق له عدة تهم بهدف السيطرة عليه ونهبه بشكل منظم وتحت قرارات وأحكام السلطة القضائية الخاضعة للميليشيات.

مصادر في مكتب الصحة بمحافظة إب، كشفت كواليس ما يجري من عمليات فرض الحارس القضائي على الكثير من المستشفيات الخاصة والمؤسسات وشركات الأدوية العاملة منذ سنوات طويلة قبل اجتياح الميليشيات للمحافظة.

وقالت المصادر، إن قيادات حوثية، تقوم بعمليات ابتزاز وفرض جبايات على كل الشركات والمؤسسات الصحية الخاصة في إب، وتطالبها بدفع الجبايات أو علاج مقاتليهم الذين يسقطون في جبهات قريبة من إب. موضحة أن تلك القيادات أصبحت تخير ملاك القطاع الخاص بين دفع الإتاوات والجبايات وعلاج مقاتليهم وقياداتهم بالمجان أو تنصيب الحارس القضائي. 

النهب بالجملة

ما تعيشه حالياً محافظة إب من تراجع كبير في مستوى الخدمات الطبية والعلاجية، يأتي في ظل عمليات الاستهداف الممنهجة التي يتعرض لها القطاع الخاص على يد الحارس القضائي الذي أصبح اليد الطولى للميليشيات من أجل النهب وسلب الممتلكات الخاصة.

ما تم السيطرة عليه من منشآت صحية خاصة خلال العام الماضي، يؤكد أن المنظومة الصحية أصبحت في حالة خطرة خصوصا مع تدهور الخدمات الطبية في المستشفيات الحكومية التي تعاني انهيارا كليا بسبب ما لحق بها من أضرار جراء سيطرة الميليشيات الحوثية ونهب الميزانيات التشغيلية والأدوية والمستلزمات الطبية وقطع المرتبات عن العاملين في هذا القطاع.

خلال الفترات السابقة تعرض القطاع الخاص لتدمير ممنهج، أصبحت معظم المستشفيات الخاصة ضمن دائرة الاستهداف الحوثي. إلا عدد بسيط لا زال يقاوم للبقاء بالرغم من إجباره على دفع الجبايات والإتاوات الكبيرة.

أواخر العام الماضي قامت الميليشيات الحوثية بالاستيلاء على مستشفى السلامة بمدينة يريم، ومستشفى الأمين التخصصي بمدينة إب بعد سنوات من ضغوطات وعمليات ابتزاز مورست ضد إدارة المستشفيين والمستثمرين فيهما. 

وقبلهما مستشفى المنار، ومستوصف الخنساء ومؤسسة الرائدات النسوية وجمعيات خيرية، ومؤسسات خاصة أخرى تعمل في جانب القطاع الصحي تعرضوا هم الآخرون لعملية نهب منظم على يد هذه الميليشيات المسيطرة على محافظة إب.

وبحسب محاسب عامل في مستشفى خاص تعرض للإغلاق من قبل الحوثيين فإن إدارة المستشفى تعرضت لعملية ابتزاز وإجبار لدفع مبالغ مالية ضخمة بشكل شهري لقيادات في الصحة والمحافظة بحجة دعم ما تسميه بـ"المجهود الحربي" لمقاتليها في مختلف الجبهات. مشيرا: تم صرف شيكات وتحويل أموال كبيرة لصالح الميليشيات الحوثية بين الفينة والأخرى، وبعد أن وصل المستشفى لحالة عجز عن دفع تلك المبالغ تم نهبه تحت اسم الحارس القضائي.

السيطرة على التدخلات الأممية

محافظة إب، هي إحدى المحافظات اليمنية التي نزح إليها مئات الآلاف من الأسر الفارة من جحيم الحرب الحوثية، فتجد في المحافظة أسرا نازحة من محافظات: تعز والحديدة والضالع ومناطق يمنية أخرى شهدت تصاعدا كبيرا للمواجهات والقتال والقصف العشوائي من قبل الميليشيات الحوثية.

إقامة النازحين في مناطق إب، أثقل كاهل القطاع الصحي المتدهور بفعل الإدارة الحوثية، خصوصا في المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية، وهو ما دفع بعدد من الجهات المانحة لخلق شراكه مع منشآت صحية خاصة لتقديم عدد من الخدمات الطبية والرعاية الصحية للأسر النازحة. وهذا الأمر أثار حفيظة الحوثيين الذين كانوا يسيطرون على أموال المانحين تحت مظلة دعم المستشفيات الحكومية التي تدهورت الخدمات فيها وباتت تفتقر لأبسط الرعاية الصحية للمرضى والمحتاجين.

بحسب المصادر في مكتب الصحة بمحافظة إب فإن حملات استهداف المنشآت الصحية الخاصة وإغلاقها كان له هدف خفي أيضا، خصوصا بعد عجز ملاك تلك المستشفيات والشركات الصحية الخاصة من دفع الجبايات المفروضة عليهم. 

مشيرة إلى أن القيادات الحوثية اتجهت صوب الاستحواذ على أموال المساعدات الأممية والدولية المقدمة من أجل التخفيف من معاناة المواطنين والنازحين في ظل التدهور المستمر للرعاية الصحية في المحافظة.

في مطلع فبراير، عقدت القيادات الحوثية في مكتب الصحة والسلطة المحلية لقاء عاجلا مع مدير العمليات المقيم لمنظمة اليونيسف جانيلوكا بولو ومدير فرع مكتب المنظمة في إب ماشيري دسكس. وتم خلال اللقاء مطالبة المسؤولين في المنظمة الأممية تقديم قائمة بالتدخلات التي تقدمها المنظمة والمشاريع الإغاثية التي تنفذها في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والتغذية.

وبحسب المصادر الصحية فإن وكيل المحافظة للشؤون الصحية والمنظمات أشرف المتوكل، أبلغ المسؤولين في منظمة اليونيسيف أن أية مشاريع صحية يجب أن تمر عبرهم ووفق آليتهم. موضحا أن هناك خطوات لتقييد مشاريع المنظمة الأممية وتوجيهها لخدمة الميليشيات الحوثية ولصالح مرافق صحية يديرونها بهدف الاستحواذ على أموال المانحين المخصصة لتلك المشاريع.

تحذيرات من انهيار كلي للخدمات

ما يجري من انتهاكات ضد القطاع الصحي في إب زاد المخاطر التي تحدق بهذا القطاع ومنتسبيه، وتتحمل الميليشيات الحوثية كامل المسؤولية جراء وصول الأوضاع الصحية إلى مرحلة الانهيار غير المسبوقة، ليس في محافظة إب وإنما في صنعاء وبقية المدن الواقعة تحت سيطرتها. 

حالة التدهور الحاد التي تمر بها معظم المؤسسات الصحية العامة والخاصة يأتي في ظل موجات التعسف والفساد الحوثية، وارتفع عدد الضحايا في صفوف المرضى اليمنيين، بعد أن عجز بعضهم عن الحصول على الرعاية الطبية اللازمة في المرافق التي تديرها الميليشيات.

وكانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات قد كشفت في تقرير حديث لها عن تسجيلها أزيد من 5119 انتهاكاً حوثياً، طال مرافق صحية ومستشفيات وعاملين صحيين في مناطق يمنية متفرقة، خلال الفترة من 2018 وحتى  2022.

وأوضحت أن الانتهاكات الحوثية توزعت بين القتل المباشر والإصابة والاعتقال والإخفاء القسري للكادر الطبي والمسعفين وغيرهم، إلى جانب إعدامات ميدانية واعتداءات جنسية، وتعرض منشآت طبية للاستهداف والاستيلاء ونهب المعدات ومصادرتها، فضلاً عن استيلاء الميليشيات على مساعدات طبية إغاثية، والمتاجرة بالأدوية في السوق السوداء وحرمان المرضى المدنيين منها. 

الحكومة ترد بالتغريدات

ومع كل الانتهاكات والجرائم التي ترتكبها الميليشيات بحق المواطنين والمستثمرين والقطاع الخاص في مناطق سيطرتها تخرج الحكومة اليمنية وعلى لسان وزير إعلامها معمر الإرياني بتغريدات على صفحته في تويتر من أجل الإدانة والاستنكار، دون أية تحركات جادة لمنع تلك الأعمال التعسفية التي أنهت القطاع الحكومي وأصبحت اليوم تنهش جسد القطاع الخاص.

وأوضح وزير الإعلام معمر الإرياني، أن فرض جماعة الحوثي لما يسمى “حارس قضائي” يأتي ضمن مسلسل النهب الممنهج لممتلكات المواطنين واستثماراتهم منذ انقلابها على الدولة، بما في ذلك القطاع الطبي. موضحا في سلسلة تغريدات نشرها على حسابه في “تويتر”، أن عمليات السطو والنهب والابتزاز الذي تمارسه مليشيا الحوثي بحق المستثمرين في القطاع الصحي، أدت إلى مغادرة عدد كبير منهم خارج اليمن، وإفلاس وإغلاق عدد من المستشفيات الخاصة، وتراجع مستوى الاستثمار في هذا القطاع الحيوي، وتدني مستوى الخدمات المقدمة للمواطنين.

وطالب المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية، بإدانة واضحة لعمليات السلب والنهب الذي تمارسه مليشيا الحوثي لممتلكات المواطنين واستثماراتهم ضمن مخططها للاستحواذ على القطاع الخاص، بما في ذلك المجال الطبي، والذي أدى لانهيار خدمات الرعاية الصحية وتفاقم الأوضاع الإنسانية.