محاربة الفساد وإجراء الإصلاحات.. شوكة دولية في حنجرة الحكومة اليمنية

تقارير - Sunday 01 January 2023 الساعة 06:39 am
عدن، نيوزيمن، خاص:

خرجت الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد في اليمن، بتحرك جديد لها، أكدت خلاله سعيها إبرام اتفاقية شراكه مع المنظمة الوطنية للشفافية والإصلاح المالي والإداري، وهي تقول عنها (الهيئة) إنها تهدف إلى توحيد جهود مكافحة الفساد بكل أشكاله واتجاهاته.

خطوات بطيئة تقوم بها الهيئة -هيئة حكوميةـ في ظل تزايد الضغوطات المحلية والدولية وكذا الاشتراطات الملحة التي وضعتها البنوك والصناديق الدولية والجهات المانحة للحكومة ومجلس القيادة الرئاسي لاستمرار تقديم الدعم لليمن. وتركزت تلك الاشتراطات على ضرورة معالجة الاختلالات المالية والمؤسسية ومكافحة الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

وضع اليمن المتردي انعكس في المؤشرات والتقارير الدولية التي رصدت التراجع المستمر في مؤشر بيئة أداء الأعمال، تنامي الفساد، خلال سنوات عمر الحرب التي تشنها الميليشيات الحوثية والتي كانت سبباً رئيسياً في تدهور الأوضاع الاقتصادية وانهيار المنظومة المصرفية والمالية.

كما أن الحرب، أسهمت بشكل كبير في فقدان المنظومة الرقابية والتشريعية قوتها لمكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب. وأصبح القطاع المصرفي يشهد تضخماً واتساعاً للفجوة المالية وقنوات الهدر وغسل الأموال. بموازاة هذه الاختلالات ارتفعت نسبة الاقتصاد الخفي إلى أكثر من 85% من الناتج المحلي الإجمالي في ظل تدني نسبة الإيرادات العامة المحصلة.

مهمة شاقة 

ولا يمكن التجاهل أن الحرب الحوثية العبثية المستمرة منذ ثمانية أعوام، أسهمت بشكل كبير في تفشي الفساد بكل أنواعه. بدءاً من إضعاف جهات الرقابة والمحاسبة، وبروز الكثير من الأطراف والعابثين بثروة وأموال الشعب.  وأصبحت هذه الفئة تبدد الثروة والأموال لمصالحها الخاصة دون أية رقابة أو محاسبة.

ولعل أهم الأسباب وراء الأزمة الاقتصادية اليمنية، هو نهب الثروات وتهريب الأموال، حيث اتاحت الحرب أبوابا واسعة مشرعة للكسب غير المشروع وتهريب الأموال واستثمارها خارج اليمن، واستغلال الوظيفة العامة لممارسة مختلف أصناف الفساد والهدر المالي، الأمر الذي صعب من أي جهود حكومية قادمة لاسترداد أي أموال وإيقاف نهب الثروات. 

إحصائية مالية نشرتها تقارير اقتصادية كشفت أن حجم الأموال المنهوبة تفوق 40 مليار دولار، ونسبة ما جرى غسله من أموال بطرق غير مشروعة وعديدة لا يقل عن 60 بالمائة.

العديد من التقارير الاقتصادية المحلية والدولية، كشفت عن اختلالات عديدة يواجهها القطاع المالي في اليمن خصوصا بعد سيطرة الحوثيين على السلطة واندلاع الحرب، أسهمت تلك الاختلالات بشكل كبير في تفشي الفساد وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وهو ما دفع بمعظم الجهات الدولية المانحة والصناديق المالية والمصرفية إلى وضع اشتراطات قاسية على الحكومة اليمنية، على رأسها الإصلاح المالي والإداري، كأولوية لتمويل برامجهم الموجهة إلى اليمن.

وأظهر تقرير صادر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني منتصف يونيو 2022، أن تفشي ظاهرة غسل الأموال تنامت بفعل الحرب. موضحا أن غسل الأموال يتخذ طرقاً وأساليب وممارسات مختلفة بما يؤثر على السياسة المالية والنقدية لليمن، ويتسبب في الإضرار بسمعة القطاع المصرفي وتسرب النقد وذلك بسبب انتشار أوعية جاذبة للأموال غير المشروعة وإحجام الجهات المانحة على مساعدة البنك المركزي اليمني.

ومع الضغوط الدولية الكبيرة، أعادت الحكومة اليمنية تفعيل دور الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد وإعطائها صلاحيات كبيرة للقيام بمهامها في التصدي للوباء المستشري في البلد. بالرغم أن المهمة شاقة وصعبة لإيجاد منظومة متماسكة تحارب الفساد وتعزز قيم النزاهة والشفافية في مختلف المؤسسات العامة والخاصة. إلا أن الخطوات الحكومية تسير ببطء لاستيعاب الإصلاحات المالية والإدارية المطروحة وبهدف كسب ثقة الجهات الدولية والمانحين واستعادة العلاقة الطبيعية مع هذه الأطراف.

خطوات حكومية بطيئة

وتبقى التحركات المبذولة من قبل الحكومة غير كافية ومقنعة للمجتمع الدولي والجهات المالية والمصرفية الدولية التي تنتظر خطوات جادة في تلبية اشتراطاتها، خصوصا أن تعطيل أجهزة الدولة لا يزال قائما، والفساد يواصل التغلغل بشكل كبير فيها، ووصل إلى استحداث منافذ عديدة لتهريب الأموال والكسب غير المشروع والتي يصعب حصرها في ظل الوضع الراهن.

ولعل أبرز القرارات الأخيرة التي صدرت في شهر ديسمبر الماضي، هو قرار وزارة المالية القاضي بإغلاق كافة الحسابات المالية التي تم افتتاحها من قبل مؤسسات حكومية وإيرادية خارج البنك المركزي اليمني، وكذا إيقاف الصرف من الوفورات، وإيقاف الصرف المباشر من الإيرادات.

 كما تضمن التوجيه تقييد المنح والهبات والتبرعات، إضافة إلى ترشيد النفقات، ورفع تقارير دورية خاصة بالحسابات المالية من أجل اتخاذ الإجراءات اللازمة.

الصحفي الاقتصادي ماجد الداعري، قال: لا أهمية منطقية لتوجيه وزارة المالية بإغلاق أي حسابات حكومية خارج البنك المركزي اليمني بعدن، كون هذا التوجيه ليس الأول وإنما سبقته ثلاثة توجيهات مماثلة ذهبت إدراج الرياح. طالما لم تتم عملية تفعيل دور جهاز الرقابة والتفتيش وهيئة مكافحة الفساد حتى اليوم وفق مقتضيات اتفاق الرياض.

وأضاف: هذا التوجيه المهم في مقتضاه، تزامن مع عدم حاجة الدولة أساسا لأي حسابات حكومية بالبنوك أو شركات الصرافة، نتيجة انتفاء أي أهمية لها، بسبب استمرار إيقاف تصدير النفط وغياب الموارد وتمرد المحافظات عن توريد مواردها إلى البنك المركزي العاجز اليوم عن صرف مرتبات موظفي حكومة الشرعية.

وجاء قرار المالية بعد أيام فقط من إعلان البنك المركزي اليمني في عدن، تجميد وحظر حسابات بنكية لشركات وأفراد وكيانات تمول ميليشيا الحوثي، من بينها شركات نفطية واستيراد وشركات صرافة، وإدراجها في القائمة السوداء. كانت خطوة مصرفية جادة من أجل منع التلاعب والمضاربة بالعملة المحلية.

تجميد الحسابات والحظر طال 12 شركة، وجاء بناءً على قرار النيابة العامة بإدراج كيانات في قائمة الإرهاب لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

تفعيل الرقابة 

وخلال السنوات الماضية فتحت الكثير من المؤسسات والقطاعات الحكومية حسابات مصرفية في بنوك أهلية وشركات صرافة محلية، وظلت تلك الحسابات تستقبل الكثير من الإيرادات شبه اليومية والشهرية بعيدا عن البنك المركزي ووزارة المالية. ومثلت هذه الحسابات أحد أساليب تفشي الفساد وإضعاف الإيرادات العامة. 

الهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد أكدت في تصريحات سابقة استمرار جهودها على تفعيل كافة الأدوار الرقابية والقضائية من أجل مكافحة الفساد والوقاية منه وتعزيز النزاهة. ودعت جميع الشركاء ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص وأجهزة ومؤسسات الدولة كافة إلى شراكة حقيقية لمحاربة الفساد واجتثاثه من جذوره وحماية الموارد والأموال والممتلكات العامة.

كما أن الحكومة اليمنية جددت تأكيدها على استمرار اتخاذ القرارات والمواقف الجدية والشفافة بشأن التصدي للفساد ومحاربة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، متوعدة بحرب عنيفة ضد الفساد عبر ما أسمته الأطر المؤسسية، في إشارة إلى الهيئة الحكومية لمحاربة الفساد. متوعدة بالمحاسبة والمساءلة، ودون أية حصانة أو حماية لأي مسؤول يثبت تورطه بالفساد.

وبرزت أهمية تفعيل الرقابة خلال لقاء رئيس مجلس الوزراء الدكتور معين عبدالملك، مع رئيس الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة القاضي أبوبكر السقاف. حيث جرى التأكيد على تكثيف وتوسعة أعمال الجهاز ليشمل كافة مؤسسات الدولة دون استثناء للرقابة والمراجعة وكشف أي حالات فساد وإحالتها إلى الجهات القضائية المعنية. 

كما تم التطرق إلى تعزيز التكامل والتنسيق بين مؤسسات الدولة والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة، باعتباره شريكا أساسيا في مسيرة الإصلاحات العامة للدولة، وانطلاقا من دوره في تحقيق الرقابة الفعالة على أموال الدولة ومتابعة أداء الأجهزة التنفيذية لمسئولياتها، إضافة إلى السياسات والتدخلات المطلوبة لتأكيد الدور الفاعل للجهاز في كشف حالات الفساد وتفعيل الرقابة على أداء مؤسسات الدولة.

وأكد رئيس الوزراء، أن الشفافية والرقابة والحوكمة جزء أساسي لتعزيز عمل مؤسسات الدولة، وعزم الحكومة وبدعم من مجلس القيادة الرئاسي على تصحيح الاختلالات في مختلف قطاعات الدولة، وتفعيل سلطة القانون على الجميع دون استثناء. وحث الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة على استكمال مراجعة أعمال جميع الوحدات الاقتصادية ورفع نتائج تقارير المراجعة، وإحالتها إلى الجهات المختصة، موضحا أن الحكومة لن تتهاون مع أي جهة تمتنع عن تقديم بياناتها المالية للأجهزة المعنية لمراجعتها والعمل بشفافية ومسؤولية وتصحيح كل الاختلالات سواء المالية أو الإدارية.

مواجهة الضغوطات

وعلى الرغم من أن المؤشرات الداخلية لا تزال منخفضة في جانب محاربة الحكومة للفساد، ومع استمرار جرائم النهب والجبايات وفرض الإتاوات ونهب الإيرادات العامة والثروات، تظل المؤسسات المالية والنقدية الحكومية تواجه ضغوطات كبيرة في محاولة استيعاب الشروط الدولية والإيفاء بالالتزامات المطروحة.

تفكك الاقتصاد مالياً بين المناطق الخاضعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا وبين ميليشيا الحوثي المدعومة من إيران، جعل البنوك والمصارف العاملة في اليمن في مرمى الضغوط والمطالب الملحة التي وضعتها المؤسسات المالية الدولية للحكومة، خصوصا فيما يخص تفعيل إجراءات الشفافية والرقابة المالية. 

ومؤخرا وجهت الحكومة اليمنية تعميمات وتوجيهات إلى البنوك والمصارف تطالبها بالتعاون مع قطاع الرقابة في البنك المركزي بالعاصمة عدن، للتأكد من التزامهم بمعايير وقواعد الامتثال لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

التوجيهات الحكومية كانت نتائج للاجتماعات واللقاءات التي أجرتها الحكومة اليمنية مع البنوك الإقليمية والدولية خلال الزيارات المتواصلة التي قام بها محافظ البنك المركزي ووزيرا التخطيط والتعاون الدولي والمالية. وتهدف التوجيهات إلى إعادة حركة التعاملات المصرفية وتشديد الرقابة على البنوك والمصارف غير الحكومية ومدى التزامها بقواعد ومعايير مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب.

فبعد اندلاع الحرب 2015، وانقسام البنك المركزي اليمني بين صنعاء وعدن، تولت البنوك اليمنية مسؤولية التعاملات الاقتصادية والمصرفية والتجارية مثل فتح الاعتمادات المستندية لاستيراد المواد الأساسية الغذائية والاستهلاكية، واستيراد الوقود وغيرها من الاحتياجات الأساسية في البلد.