العبث الحوثي يضرب الجامعات.. سوق تجارية لـ"الأبحاث العلمية" في صنعاء

تقارير - Saturday 26 November 2022 الساعة 07:19 am
صنعاء، نيوزيمن، جلال محمد:

"هل أنت طالبٌ على وشك التخرج؟ هل تريد إعداد مشروع تخرج مميز، وليس لديك الوقت الكافي لذلك؟ نحن نستطيع مساعدتك". كان هذا جزءاً من إعلانٍ ضمن سربٍ ضخم من الإعلانات التي تتصدر واجهات أغلب المكتبات أمام جامعة صنعاء، وتطوف أجواء مواقع التواصل الاجتماعي، لإغراء الطلبة بالحصول على أبحاث "جاهزة"، ومدفوعة الثمن من ألفها إلى يائها، وبلا أدنى جهد!

الجزء الصادم، حمله بقية الإعلان، عندما أشار إلى أن الفئة المستهدفة، ليست من طلبة البكالوريوس وحسب، إذ جاء وفق تصميمه: "لدينا فريق عمل كامل لإنجاز جميع الأبحاث، ورسائل الماجستير، والدكتوراه، لجميع الجامعات، وبكافة التخصصات أيضًا"!

وهنا ليس على الباحث (المستعجل) والباحث عن "راحة راسه" إلا أن يتواصل عبر أرقامٍ معلنة وواضحة، وتجهيز جيبه بمبلغٍ وقدره.

لا تنتهي هنا الحكاية بل تبدأ، لتتحدث عن جيلٍ من الخريجين وأصحاب المسميات –إلا من رحم الله- لا يعرفون عن تخصصاتهم شيئًا، بعضهم أخذ علامة "امتيازٍ مع مرتبة الشرف" ليصبح اليوم في مكانه اسم بلا إنجاز بفضل مكتبات "تبيع أبحاث التخرج"، أو بفضل المحسوبية التي باتت العنوان الأبرز في التعامل داخل أروقة جامعة صنعاء التي تقبع تحت سيطرة جماعة الحوثي التي تقوم بتجريف ما تبقى لليمني من ملامح تعليم جامعي.

"على عينك يا تاجر"

هذه "الظاهرة"، إن جاز لنا التعبير، ليست وليدة اللحظة، لكن الذي استجد هو تجرؤ مكتبات ومراكز تعليمية، على نشر إعلانات لإعداد هذه الأبحاث، وكما يقال: "على عينك يا تاجر" مذيّلة باسم المركز، أو المكتبة، وعنوانها، وقنوات التواصل، دون أي اعتبارٍ لرقابة وزارة التعليم العالي أو الجهات القانونية.

ما سبق كان واحدًا من هذه الإعلانات، وقد لاقى ذهولًا واستغرابًا شديدَين من قبل المتابعين، إذ علق عليه أحد الدكاترة الأكاديميين بجامعة صنعاء بالقول: "يعوّض الله على العلم، ما دامت المكتبات تقوم بدور الباحث، الذي ما عليه سوى كتابة اسمه مقابل مبلغ من المال".

وأضاف في حديثه لـ نيوزيمن: للأسف، الوضع الذي وصل له الموظف اليمني جراء انقطاع المرتبات خصوصاً من الأكاديميين (دكاترة ومعيدين) جعل البعض منهم يتجه للعمل في مجال إعداد البحوث وتجهيز الرسائل لمن يريد مقابل مبلغ مالي معين، يساعده في تسيير أموره الحياتية، وهنا لا يمكن أن نبرر لمثل هذه الأعمال لأنها تعد بمثابة شهادة وفاة للعلم والدرجات العلمية.

وأكد أنه يفترض على أقسام الدراسات العليا في جامعة صنعاء وغيرها من الجامعات أن تقيم الطالب وهل فعلاً هو من كتب ما تقدم به، وتمحيصه على كل سطر حتى يتبين الغث من السمين، ومن يثبت إقدامه على شراء بحثه أو رسالته يتم حرمانه من الدرجة العلمية إلى الأبد.

وأشار عدد من الدارسين أن ما يتم التبرير له في هذا الخصوص تحت مسمى مساعدة الباحث، يعد أكذوبة، حيث لا يوجد شيء اسمه مساعدة الباحث، بل يجب على الباحث أن يعمل بنفسه، فما يجري هو غِش يتساوى بسببه المهمل والجاد، والباحث الحقيقي مع الباحث "العرطة"، مطالبين بمحاسبة مثل هذه المكتبات وإغلاقها.

الدارسون المشغولون من أتباع الجماعة 

يعلق الكثير من الأكاديميين والدارسين سبب رواج عمل هذه المكتبات معدي البحوث والرسائل، إلى الوضع المعيشي، بالإضافة إلى أن أغلب من يطلب هذه البحوث هم أولئك المرسلون للدراسة في الجامعات الحكومية والخاصة من أتباع جماعة الحوثي، والذين لا يُعرف كيف حصلوا على درجة البكالوريوس، وتم الزج بهم الى مختلف اقسام جامعة صنعاء لدراسة الماجستير خصوصاً في (دراسات الهجرة واللاجئين، والسياسة، والعلوم الاسلامية، وحقوق الانسان).

واغلب من تم ارسالهم للدراسة من اتباع الجماعة محصورون على فئة (الهاشميين) لديهم مناصب عليا في مؤسسات الدولة، ولهذا لا يملكون وقتا للحضور المنتظم او اعداد البحوث المطلوبة، لهذا لجأوا الى استغلال حاجة بعض الاكاديميين والمعيدين لاعداد ما يطلب منهم وكتابة البحوث والرسائل الجامعية عبر مكتبات تنتشر امام الجامعة.

ويرد احد الدارسين المحسوبين على الحوثي مبرراً لما يجري بقوله: "والله الإخوة يتكلمون وكأن الجامعات عندنا بروفيشنال، وكل المشكلات موجودة في المكاتب التي تعمل بمقابل، يا ريت هذه الحمية نشوفها على الجامعات التي اصبحت مناهجها لا تؤهل الشخص الا ليكون مقلداً وكتب كل مصدرها غربي وكأنه لا يوجد علماء مسلمين، فبدلاً من الفلسفة يفترض انه يبنوا مناهج دراسية وجامعية تواكب المرحلة وتزال منها المغالطات التاريخية، قبل ان نتحدث عن لماذا يتم بيع الابحاث والرسائل".

استسهال وعدم تأهيل

وعن أسباب لجوء الطلبة لشراء الأبحاث الجاهزة، قال أحد دكاترة "مناهج البحث العلمي" في جامعة صنعاء، إن ذلك يعود إلى عدم التأهيل الجيد من قبل الجامعات للطبة، من أجل إجراء أبحاث علمية جادة وصحيحة، إضافةً إلى استسهال الطلبة ذلك.

وأضاف: "المسؤولية عن انتشار هذه الظاهرة مشتركة بين الجامعة ويمثلها المُدرّس، والطالب"، مشيرًا إلى أن متابعة المُدرس للطالب وقراءته لكل كلمة يكتبها سيشعره بصعوبة اللجوء لشراء الأبحاث الجاهزة.

وقال، خلال مسيرتي الطويلة في جامعة صنعاء أشرفت على عشرات رسائل الماجستير والدكتوراه، ولهذا أرى أن تقديم الطلبة الذين يلجؤون إلى هذه الخطوة "المشينة" لمجالس التأديب، وإنزال العقوبة عليهم، سيسهل القضاء على الظاهرة بكل تأكيد.

وأشار إلى أن الطالب الذي لا يُعِد بحثه بنفسه سيتخرج فارغًا، ولن يستطيع الإسهام في تقدم المجتمع، كما أنه لن يستطيع منافسة نظرائه الذين أعدوا بحوثهم بأنفسهم في سوق العمل.

وحول مدى قدرة المشرفين على كشف الأبحاث الجاهزة، يقول: "ذلك ليس بالأمر الصعب، لكنه يتطلب من المدرس متابعة طالبه أولًا بأول، وقراءة ما أعده، ناهيك عن ضرورة تبحّره في التخصص الذي يدرّسه".

وأشار إلى أن تركيز بعض الأساتذة على الجوانب النظرية دون العملية، من شأنه أن يُحدث فجوةً لدى الباحث، تجعله عاجزًا عن إعداد البحث بنفسه، مشددًا على ضرورة معالجة هذه الفجوة عبر تنظيم محاضرات تتصل بقاعة البحث، وتوضح كيفية إجراء البحوث الميدانية، والتحليلية، على أرض الواقع.

ويبقى التساؤل مطروحًا: متى ستتخطى "وزارة التعليم العالي والبحث العلمي" مرحلة الإنذار في ملاحقة "دكاكين البحث العلمي" إلى اتخاذ إجراءات قانونية رادعة بحقهم؟ إلى ذلك الحين، لكم أن تخمنوا كما طالبًا سيحصل على شهادته العلمية، بعد إتمامه بحث التخرج مقابل المال؟