كيف وظَّفت مليشيا الحوثي الإنترنت في الحرب؟

تقارير - Sunday 15 March 2020 الساعة 09:02 pm
نيوزيمن، ترجمـة خاصة:

- موقع "كودا ستوري" المتخصص في مراقبة مواقع الإنترنت حول العالم

على سفح سلسلة جبال محافظة إب اليمنية، تعتلي مجموعة من الأطباق البيضاء مثبتة على أعمدة وفروع الأشجار، لتبث الإنترنت لآلاف الأشخاص في المنطقة النائية.

فليس هناك خطوط هاتف ثابتة في أجزاء من ريف إب، فيما تغطيتها المتنقلة تكاد محدودة. وفي محاولة لتزويد أبناء منطقته باتصال رقمي، أطلق المواطن نبيل المنصوري مشروعا لاسلكيا قبل ثلاث سنوات، عرف باسم "الشبكة المحلية".

تلك الشبكة تشبه مقهى إنترنت متنقلاً إلى حد ما، حيث تشتري هذه الشبكات باقات إنترنت من شركة "يمن نت"، وهي مزود خدمة الإنترنت المملوكة للدولة لكنها تحت سيطرة الحوثيين. ثم يعاد بيعها لعامة المواطنين. وبدلاً من استئجار مقعد لكمبيوتر قديم داخل غرفة مليئة بالدخان، توفر هذه الشبكات اتصالا لاسلكيا مباشرا بالإنترنت للمواطنين والعملاء أين ما كانوا في المدن والقرى.

بيد أنه في سبتمبر الماضي، فاجأت شركة "يمن نت" المنصوري وآلاف مشغلي الشبكات المحلية الآخرين برفع أسعار الباقات وسعة البيانات، بحيث أن حزمة واحدة من البيانات، والتي كانت تكلف 115 دولارا مقابل 450 جيجابايت، أضحت الآن بتكلفة تعادل 160 دولارا مقابل 400 جيجابايت أو 105 دولارات مقابل 200 جيجابايت.

وبعد ذلك بشهر، أعلنت سلطات الحوثي المدعومة من إيران في صنعاء أنها لم تعد تصدر تصاريح عمل للشبكات المحلية. وبين عشية وضحاها، أصبحت تلك الأعمال والشبكات غير قانونية. وبحلول ديسمبر، كانت سلطات الحوثيين قد أرسلت مليشياتها لمصادرة المعدات من مزودي الشبكات اللاسلكية وإصدار مذكرات بوقف وتعطيل مكاتب الشبكات المحلية.

بالنسبة للمنصوري فقد عبر بقوله "تلك كارثة حلت بنا (..)".

وفي ظل عجزه عن تحقيق الربح بالنظر للتكلفة الجديدة الباهظة، كان عليه أن يقرر ما إذا كان سيستمر أملاً في أن تتحسن الأعمال بطريقة أو بأخرى، أو يغلق الشبكة. قائلاً: "إذا أغُلقت.. فسيتم عزلنا عن المغتربين والعالم".

ويعتقد الخبراء والمحللون أن مليشيات الحوثي التي تعاني من ضائقة مالية، تحاول جاهدة، الحد من الوصول إلى الإنترنت وجمع الأموال في وقت واحد، لتمويل مجهودهم الحربي.

ويعد الوصول إلى المعلومات في اليمن جبهة رئيسة في الصراع، وبالنسبة للعديد من اليمنيين، يعد الإنترنت هو الطريقة الوحيدة لمعرفة الأحداث الجارية في الحرب.

وفي أكتوبر الماضي، واستجابة لارتفاع الأسعار الأخيرة في الانترنت، أطلقت النقابة الوطنية اليمنية للشبكات المحلية حملة على وسائل التواصل الاجتماعي، اشتملت على فيديوهات توثيق مع هاشتاق "#يمن_نت_ضد_المواطن". ويقدر أحمد العليمي، رئيس النقابة أن حوالي 3000 من أصحاب الشبكات بصنعاء انضموا إلى الاحتجاجات عبر الإنترنت، إلى جانب أكثر من 15000 في جميع أنحاء البلاد.

وفي ديسمبر، قامت النقابة بمقاضاة وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات لإجبار سلطات الحوثيين على تفسير مبررات ارتفاع أسعار الانترنت والبيانات.

وقد توخى النشطاء الحذر في عدم إلقاء اللوم على مليشيات الحوثي، خوف تعرضهم للاعتقال أو التعرض مما هو لأسوأ من ذلك. حتى إنهم تبنوا موقف الحوثيين المناهض للسعودية، متهمين المسؤولين عن ارتفاع أسعار الانترنت والإضرار بمصالح اليمنيين لدرجة أنهم يجعلون السعوديين يبدون متفوقين.

وقال وليد السقاف، الدكتور والمحاضر البارز في جامعة سودرتورن بالسويد، لموقع "كودا ستوري" المتخصص في مراقبة مواقع الإنترنت حول العالم: "لست متأكداً من أي فائدة لأن الزيادة في رسوم الإنترنت تدر دخلاً كبيراً لمن هم في القمة". ويضيف "الغاية تبرر الوسيلة في بعض الأحيان، ويبدو أن هذا عمل مدفوع سياسياً لكنه مموه على شكل زيادة في الأسعار".

إن ارتفاع أسعار الإنترنت، الذي تزامن مع أزمة وقود في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، يمثل ضربة أخرى للمواطنين اليمنيين العاديين، الذين بالكاد يستطيعون شراء الطعام والبنزين والديزل. فقد أصبح الكثيرون يعتمدون على الإنترنت كشريان حياة لوصلهم بالعالم الخارجي.

وقد اتجه اليمنيون بشكل متزايد إلى الإنترنت للبحث عن عمل أو ببساطة لطلب المساعدة من الأصدقاء والأقارب في الخارج.

وفي غضون أشهر من استيلاء الحوثيين على العاصمة صنعاء، عززت "يمن نت" تصفيتها للمحتوى السياسي ووسائل الإعلام المستقلة. ووفقا لمختبر "سيتيزن لاب"، وهو مختبر متعدد التخصصات مقره كلية مونك للشؤون الدولية والسياسة العامة، بجامعة تورنتو في كندا، ويركز على تقاطع المعلومات وتقنيات الاتصالات وحقوق الإنسان والأمن العالمي.

ومذ ذلك الحين، استخدمت سلطات الحوثيين، مجموعة متنوعة من أساليب الرقابة والتنصت، بما فيها إبطاء أو تعطيل الإنترنت في المناطق المناهضة للحوثيين ومناطق النزاع مثل مدينة تعز، التي يحاصرها المتمردون منذ عام 2015.

وتمثل مدينة الحديدة والتي يعد ميناؤها الأكثر ازدحاماً، إحدى حالات الاختبار متعلقة بالمدن الأكثر اكتظاظا بالسكان في اليمن. فلم تحظ المدينة المطلة على البحر الأحمر التي يبلغ عدد سكانها حوالي 600,000 شخص بوصول حكومي إلى الإنترنت منذ أن قطعتها مليشيات الحوثيين أواخر عام 2018، عندما تدخلت الأمم المتحدة لوقف القتال بين القوات اليمنية المشتركة والحوثيين.

وكمصدر رئيس لاستيراد الغذاء والوقود والمساعدات إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون في شمال غرب اليمن، برزت الحديدة كمحور رئيس في الحرب. وبينما استمر وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه الأمم المتحدة إلى حد كبير، ظل سكان الحديدة معزولين تماما عن الإنترنت. وإن لم يكن باستخدام الشبكات المحلية، فإن الطريقة الوحيدة للاتصال بالإنترنت هي عبر خدمات الهاتف المحمول 3G باهظة الثمن مثل "ام تي إن" و"يمن موبايل"، وكلاهما شركات خاصة مقرها صنعاء وتعمل تحت سيطرة الحوثيين.

وفي المناطق المناهضة للحوثيين، مثل مدينة عدن الساحلية الجنوبية، حيث تعمل الحكومة اليمنية منذ طردها من صنعاء في عام 2015، يواجه اليمنيون مجموعة أخرى من العقبات التي تحول دون الوصول إلى الإنترنت. فخنق الاتصال المستمر من قبل "يمن نت" التي يسيطر عليها الحوثيون يجعل الاتصال بطيئا جدا، وفي بعض الأحيان يكون معدوما.

وفي عام 2018، سعت الإمارات والسعودية إلى كسر قبضة الحوثيين على الإنترنت عبر إنشاء مزود خدمة إنترنت آخر باسم "عدن نت". لكن بالرغم من الاستثمار الكافي، لا تزال التغطية محدودة بالجيوب الصغيرة حول المدينة. فيما أدى عدم الاستقرار السياسي، إلى جانب سوء الإدارة والفساد المستشري، إلى تفاقم مشاكل "عدن نت".

وقال أحد موظفي "يمن نت"، طالبا عدم الكشف عن هويته بسبب مخاوف أمنية، بدأ الحوثيون في استبدال الموظفين بموالين لهم لمواصلة مراقبة المواقع الإلكترونية وتنفيذ أنشطة إلكترونية بما في ذلك التنصت والتحريات على الأفراد الذين ينشرون أي محتوى على وسائل التواصل الاجتماعي تعتبره المليشيات تهديدا لها.

وبغض النظر عن مكان وجودهم في البلاد أو طبيعة تعاطفهم السياسي، يستمر معظم اليمنيون في الاعتماد على "يمن نت" بطريقة أو بأخرى.

وفي أوائل يناير، اختفت 80 في المائة من سعة الإنترنت في اليمن عندما قطع كابل ألياف ضوئية تحت البحر بالقرب من قناة السويس. واستغرق الأمر أكثر من شهر لإصلاح ما يسمى بكابل فالكون، مما أجبر الغالبية العظمى من اليمنيين على البقاء بلا إنترنت، وكشف عن مدى ضعف البنية التحتية للإنترنت في اليمن في مواجهة الاضطرابات واسعة النطاق.

ووفقا لموقع M-Lab، وهو مشروع مفتوح المصدر يقيس سرعات النطاق العريضة حول العالم، يحتل الإنترنت اليمني المرتبة الأخيرة عالميا بمتوسط سرعة 0.38 ميجابت في الثانية. وبهذه السرعة، سيستغرق الأمر أكثر من 30 ساعة لتنزيل فيلم 5 جيجا بايت في اليمن.

كما يراقب الحوثيون وسائل التواصل الاجتماعي اليمنية، وإن كان ذلك باستخدام أساليب منخفضة التقنية. وبالفعل، تسلل المتمردون إلى مجموعات دردشة "الواتس آب" باستخدام هواتف المعتقلين.

وفي أوائل يناير، اقتحم مسلحون حوثيون جامعة إب وخطفوا العديد من طلاب كلية القانون الذين انخرطوا في خلاف سياسي مع طلاب حوثيين عبر دردشة جماعية على "الواتس آب".

كما داهم الحوثيون منزل مدرس بعد أن انتقدهم على فيسبوك لعدم دفع الرواتب. وحظرت سلطات الحوثيين العديد من منصات وسائل التواصل الاجتماعي كثيرا طوال فترة الحرب.

وبالعودة إلى صنعاء، لا يزال أحمد العليمي، رئيس النقابة، يقاتل لإلغاء رفع أسعار الفائدة والسماح بتجميدها. وفي ديسمبر، وبعد يوم من مشاركته في إضراب، انقطع اتصال كل شبكة محلية تقريبا في البلاد، وتمت دعوته هو وزميله للقاء وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مسفر النمير والقيادي محمد علي الحوثي. واتفق الطرفان على تشكيل لجنة لإعادة النظر في قرار رفع أسعار الإنترنت وتعهدا بإعادة جميع المعدات المصادرة في غضون أسبوعين.

لكن بعد انتهاء الاجتماع، اعتقلت دائرة الأمن والمخابرات التي يديرها الحوثيون العليمي، بدعوى أن إضراب اليوم السابق تسبب في إغلاق شبكة الهاتف المحمول التي تديرها الدولة يمن موبايل لأن الكثير من الناس تحولوا إلى خدمة 3G في وقت واحد. وقد أطلق سراحه في اليوم التالي.

وبعد أكثر من شهرين ونصف من الاجتماع، أكد العليمي، بأنه لم يتم تشكيل لجنة لإعادة النظر في ارتفاع الأسعار ولم يتم إرجاع أجهزة "الواي فاي" المصادرة من قبل الحوثيين.