سلّم الأمانة وانصرف.. الجزائر تودع "الحارس العنيد" (موسع)

العالم - Tuesday 24 December 2019 الساعة 12:34 am
(نيوزيمن، أ.ف.ب، رويترز، إعلام جزائري) --

نعته الصحافة الجزائرية بوصفه: القائد الأمين الذي قارع "العصابة" التي عششت في الدولة أزيد من 20 عاما. و المجاهد الذي رافق الحراك خلال 9 أشهر دون إراقة قطرة دم.. وحارب العصابة. و "قاهر العصابة وأذنابها". و "مرافق الحراك ومحارب العصابة".

وقال رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إن الجزائر  فقدت أحد رجالاتها الأبطال الذي بقي إلى آخر لحظة وفيا لمساره الزاخر بالتضحيات الجسام. وأشار، إلى أن رئيس الأركان صان الأمانة وحفظ الوديعة وأوفى بالعهد في فترة من أصعب الفترات التي اجتازتها البلاد.

وعلى الرغم من أن المحتجين طالبوا بتنحي قايد صالح وابتعاد الجيش عن السياسة فإن بعض الشخصيات البارزة في حركتهم أشادت بقرار الجيش عدم استخدام العنف لسحق المظاهرات. وقال إسلام بن عطية، وهو شخصية بارزة بحركة الاحتجاج، على فيسبوك ”يكفيك عند ربك أنك ابريت بقسمك ولم تسقط قطرة دم واحدة رغم صعوبة الأزمة“.

وتقام جنازة رسمية "لفقيد الجزائر، رئيس أركان الجيش، يوم الأربعاء القادم. ويوارى جثمانه الثرى بمقبرة العالية في العاصمة". وأعلن من جهته، رئيس الجمهورية، الاثنين، عن حداد وطني، لمدة 3 أيام. كما قرر، الرئيس تبون، حدادا مدة 7 أيام بالنسبة للمؤسسة العسكرية.

الحارس العتيد والعنيد

كان رئيس الأركان الجزائري الفريق أحمد قايد صالح (79 عاما) الذي أعلنت وفاته الإثنين بسكتة قلبية، الحاكم الفعلي للبلاد منذ استقالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة تحت ضغط الشارع وحتى انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون في 12 كانون الأول/ديسمبر في انتخابات أصر قايد صالح على إجرائها رغم الاحتجاجات المستمرة.

لقد بدا قايد صالح خلال الأشهر الأخيرة حارساً عنيداً "للنظام" في مواجهة حركة الاحتجاج الشعبية وتوفي رمز القيادة العليا العسكرية وقلب النظام الغامض بعد أربعة أيام من ظهوره العلني الأخير أثناء تنصيب الرئيس الجديد.

عُين قايد صالح عام 2004 رئيسا للاركان من قبل بوتفليقة وحافظ لفترة طويلة على ولاء ثابت لرئيسه. كما دعم مطلع العام ترشيح رئيس الدولة رغم مرضه وضعفه لولاية خامسة.

لكن في نيسان/أبريل، قرر التخلي عن بوتفليقة تحت ضغط الحراك الشعبي غير المسبوق الذي انطلق احتجاجا على تلك الولاية الخامسة.

وباسم الشارع، دعا الى استقالة الرئيس وحصل عليها وبات يتولى السلطة بفعل الأمر الواقع.

وسرعان ما أغلق قايد صالح، وهو من آخر مقاتلي حرب الاستقلال (1954-1962) في السلطة الجزائرية، الباب أمام مطالبة الحراك برحيل "كامل رموز النظام" الذي يمسك بالبلاد منذ 57 عاما.

تسلسل الجيش متحد

وبسرعة عين الرئيس عبد المجيد تبون قائد القوات البرية اللواء سعيد شنقريحة رئيسا لأركان الجيش بالإنابة خلفا لقايد صالح.

وشنقريحة (74 عاما) من جيل القادة العسكريين الأقوياء الذين كان منهم قايد صالح الذي توفي عن 79 عاما وكل منهما بدأ حياته العسكرية في قوات الفدائيين التي ثارت على الحكم الاستعماري الفرنسي.

وقال لواء متقاعد طلب عدم نشر اسمه ”تسلسل الجيش متحد وسيمضي قدما بعد قايد صالح كما فعل قبله. جيش الجرائر كتلة واحدة، لا تخضع لنفوذ لواء واحد لكن لديها إجماعا مثل محركها“.

النضال ضد الاستعمار

أمضى الرجل الذي كان يظهر بشكل دائم تقريباً ببزته العسكرية ستة عقود في الجيش.

ولد صالح في العام 1940 في ولاية باتنة على بعد 300 كلم جنوب شرق الجزائر، والتحق في سن السابعة عشر من عمره بجيش التحرير الوطني الذي كان يقاتل الاستعمار الفرنسي.

لدى استقلال الجزائر في 1962، انخرط في صفوف الجيش ودخل أكاديمية عسكرية سوفياتية وتدرج في تراتبية القيادة، فتولى قيادة عدة مناطق عسكرية قبل تعيينه عام 1994 قائدا لسلاح البرّ خلال الحرب الأهلية (1992-2002) بين الجيش الجزائري والجماعات الإسلامية.

في العام 2004، اختاره بوتفليقة بعد إعادة انتخابه هذا الضابط الذي كان على وشك أن يحال إلى التقاعد، ليخلف الفريق محمد العماري الذي دفع ثمن معارضته تولي بوتفليقة ولاية ثانية.

وعبّر الفريق صالح عن امتنانه عبر تحوله الى أكثر المخلصين لبوتفليقة الذي أمّن له وسائل تحديث الجيش.

الجيش "الضامن" للاستقرار

لدى عودته من باريس في تموز/يوليو 2013 حيث أمضى في المستشفى 80 يوما بعد إصابته بجلطة في الدماغ، عيّن بوتفليقة الذي كان يشغل أيضا منصب وزير الدفاع والقائد الأعلى للجيوش بموجب الدستور، رئيس الأركان قايد صالح نائبا لوزير الدفاع.

ويؤكد مراقبون أن بوتفليقة منحه هذا المنصب الوزاري مقابل دعمه في مواجهة قسم من الجهاز الأمني مرهوب الجانب كان يعارض ولاية رابعة ترشح لها في 2014، اي بعد عام من إصابته بالجلطة.

وهكذا دعم الفريق صالح بوتفليقة في إضعاف دائرة الاستخبارات والأمن، الجهاز الواسع النفوذ للاستخبارات العسكرية، ورئيسه الفريق محمد مدين الملقب "توفيق" الذي أحيل على التقاعد عام 2015.

وفي حين ضعفت سلطة دائرة الاستعلام والأمن (باتت تُسمى دائرة خدمات الأمن) وأبعد بوتفليقة وبات معاونوه خلف القضبان في إطار حملة لمكافحة الفساد شجع عليها قايد صالح، ظلت القيادة العسكرية وحدها في الساحة منذ نيسان/أبريل 2019.

في السيرة الذاتية- المهنية

ولد الفريق أحمد قايد صالح في 13 يناير 1940 بولاية باتنة.

التحق وهو مناضل شاب في الحركة الوطنية، في سن السابعة عشر من عمره، يوم أول غشت 1957 بالكفاح، حيث تدرج في سلم القيادة ليعين قائد كتيبة على التوالي بالفيالق 21 و29 و39 لجيش التحرير الوطني.

غداة الاستقلال وبعد إجراء دورة تكوينية بالجزائر لمدة سنتين و(الإتحاد السوفييتي سابقا) لمدة سنتين كذلك من 1969 إلى 1971، حيث تحصل على شهادة خصوصا بأكاديمية فيستريل. كما شارك، سنة 1968، في الحملة العسكرية بالشرق الأوسط بمصر.

تقلد بقوام المعركة البرية الوظائف التالية:
– قائدا لكتيبة مدفعية
– قائدا للواء
– قائدا للقطاع العملياتي الأوسط ببرج لطفي / الناحية العسكرية الثالثة،
– قائدا لمدرسة تكوين ضباط الاحتياط /البليدة/ الناحية العسكرية الأولى،
– قائدا للقطاع العملياتي الجنوبي لتندوف / بالناحية العسكرية الثالثة،
– نائبا لقائد الناحية العسكرية الخامسة،
– قائدا للناحية العسكرية الثالثة،
– قائدا للناحية العسكرية الثانية.
– تمت ترقيته إلى رتبة لواء بتاريخ 05 جويلية 1993،
– بتاريخ 1994 تم تعيين اللواء أحمد قايد صالح قائدا للقوات البرية،
– بتاريخ 03 أوت 2004، تم تعيينه رئيسا لأركان الجيش الوطني الشعبي.
– تقلد رتبة فريق بتاريخ 05 جويلية 2006.
– منذ 11 سبتمبر 2013 تم تعيينه نائبا لوزير الدفاع الوطني رئيسا لأركان الجيش الوطني الشعبي.
الفريق أحمد قايد صالح حائز على وسام جيش التحرير الوطني ووسام الجيش الوطني الشعبي من الشارة الثالثة ووسام مشاركة الجيش الوطني الشعبي في حروب الشرق الأوسط 1967 و1973 ووسام الشجاعة ووسام الاستحقاق العسكري وكذا وسام الشرف.
بتاريخ 19 ديسمبر 2019، تم تقليده وسام برتبة صدر من مصف الاستحقاق الوطني، من طرف رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، نظير جهوده الجبارة والدور الكبير الذي اضطلع به في هذه المرحلة الحساسة لأجل إثبات سمو الدستور وضمان سلامة المواطنين وأمن البلاد ومؤسساتها الجمهورية.
الفقيد متزوج وأب لسبعة أبناء.