حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

الجهاد والاستشهاد الياباني!

Wednesday 29 March 2023 الساعة 02:13 pm

كانت الثقافة المسيطرة على اليابان قبل الحرب العالمية الثانية ثقافة "جهاد واستشهاد".

المثل الأعلى الياباني كان محارب "الساموراي"، المجاهد الياباني الذي يعيش حياته للحرب، وتتجاوز الحرب عنده مبدأ الضرورة (الدفاع عن النفس) لتتحول الى عقيدة "ذروة سنام الشرف والمجد".

وكانت التعاليم المقدسة لليابان هي "البوشيدو" أو "طريق المحارب" التي تؤكد على قيم الموت والطاعة التامة.

 فالساموراي الحقيقي هو المستعد للموت دون تردد في سبيل "السيد".

كان لسان حال اليابانيين حينها "اطلبوا الموت توهب لكم الحياة" ، وكان المقاتل الياباني عندما يواجه اعداءه يواجههم فخورا وقائلا "جئتكم برجال يحبون الموت أكثر مما تحبون الحياة"!

ورغم ان الامبراطور ميجي 1868 حدث اليابان ونقلها من العصور الوسطى الى العصر الحديث إلا إنه ارتكب خطأ قاتلا عندما احتفظ بمجاهدي الساموراي وثقافة الجهاد والاستشهاد.

اندمجت ثقافة "البوشيدو" الجهادية مع عقيدة تأليه الامبراطور (الامام المعصوم، خليفة الله) لتؤدي الى تنمية روح التعصب الياباني والاستعلاء على الشعوب الاخرى.

 وبدلا من التصنيع والتنمية قادت اليابان اكبر عملية فتوحات وغنائم في تاريخها رفعت فيها راية الجهاد الياباني باحتلال الصين وبورما ومنشوريا وكوريا وسنغافوره والفلبين واندونيسيا والملايو. 

بل ان اليابان دخلت في حرب ضد روسيا عام 1904 وهزمتها.

كان الشهيد "الانتحاري" النموذج الذي يسعى لبلوغه كل ياباني. 

وفي يوم من ايام 1944 بلغت نزعة الاستشهاد اليابانية ذروتها عندما طلب عسكري مجنون من افضل طياري الجيش الياباني القيام بعمليات انتحارية بالطيارت لتدمير الاسطول الامركي في "بيرل هاربور".

دخلت امريكا الحرب بعد ذلك والقت القنبلتين الذريتين الشهيرتين على مدينتي هيروشيما ونجازاكي.

 الشعب الياباني الذي كان يحب الشهادة والموت رأى الوجه القبيح له لأول مرة بالموت الجماعي لاكثر من 100 الف انسان في دقائق معدودة.

تواجهت اقدم ثقافة في اليابان واكثرها تخلفا (جهاد الساموراي واستشهاده) مع احدث سلاح (القنبلة الذرية) لتنتصر الأخيرة.

كانت اليابان تبني جيشا من الاستشهاديين الانتحاريين وتطور برنامجا للقتال الانتحاري. 

وكان المقاتل الياباني قد تدرب على العمليات الانتحارية لتفجير الدبابات والتجمعات العسكرية، وكانت ثقافة العسكرية اليابانية ثقافة مجنونة ترى الانتصار في موت افضل مقاتليها ومواطنيها واستشهادهم بدلا من الحفاظ عليهم سالمين.

بعد استسلام اليابان تصارع داخلها تياران: تيار يريد استمرار اليابان في ثقافة الساموراي، وتيار يرى مستقبل اليابان في الخروج من ثقافة الموت والشهادة ورميها الى مزبلة التاريخ. 

انتصرت الحداثة وتحول الياباني من مجاهد الى عامل ومدرس ومبرمج ومخترع ومهندس يتبنى ثقافة الابداع وحب الحياة ويغزو العالم بالتكنولوجيا والعلم لا بالسيف والموت.

لكن تيار الجهاد الياباني للأسف لم يختف تماما. 

ما زالت هناك جيوب تريد من اليابانيين العودة لماضي ثقافة الموت. 

ولا تستغربوا أن أهم اديبين يابانيين (يوكيو ميشيما، وياسوناري كاواباتا الفائز بنوبل للآداب) ماتا منتحرين على طريقة الساموراي (شق السيف بالبطن) احتجاجا على تخلي اليابان عن ماضي الجهاد والشهادة والقتال.

لكنهم ليسوا إلا تيارا فرعيا وسط تيار أعم أحب الحياة وعاش كريما مبدعا مخترعا يثير اعجاب العالم وحبه.

* من صفحة الكاتب على الفيسبوك