حسين الوادعي

حسين الوادعي

تابعنى على

جمعة رجب وتناقض تفسير الإخوان والحوثي

Saturday 28 January 2023 الساعة 02:43 pm

في حياة الشعوب تواريخ تأسيسية يتم من خلالها تدشين بداية تاريخها واختراع هوياتها. 

وفي مجتمع ذي تاريخ طويل من الصراعات كاليمن، تتعدد التواريخ التأسيسية، لكن أكثرها إثارة للجدل في السنوات الأخيرة هو الجمعة الأولى من رجب التي يحتفل بها اليمنيون منذ مئات السنين باعتبارها تاريخ دخول اليمنيين الإسلام، أو بعبارة أكثر وضوحًا دخول اليمن تحت حكم النبي في دولة المدينة.

خضع هذا التاريخ التأسيسي لتفسيرين مختلفين من قبل الاتجاهين المذهبيين السياسيين الكبيرين في اليمن، (السني الشافعي ممثلًا في الإخوان، والشيعي الزيدي ممثلًا في الحوثية)، وكل مذهب سياسي حاول استغلاله كمرجعية لصياغة هوية شاملة لليمن واليمنيين تتوافق مع اتجاهه الأيديولوجي.

بالنسبة للتفسير الإخواني السني، فإن جمعة رجب تؤرخ بقدوم الصحابي معاذ بن جبل إلى اليمن لتعليم اليمنيين الحلال والحرام، ثم بنائه لجامعه الشهير في وسط اليمن –تعز، الذي سيصبح مركزًا للتدين السني الشافعي منذ ذاك حتى اليوم.

وبناء على هذه السردية السنية فإن الهوية الجديدة لليمنيين هي الهوية الإسلامية المتمحورة حول الصحابي الذي كان في الوقت نفسه فقيهًا، والذي -بناء على الحديث الشهير- سيؤسس للمجال المرجعي الإسلامي بمصادره الثلاثة: الكتاب ثم السنة ثم الاجتهاد.

بالنسبة للسردية الشيعية المنافسة، فإن جمعة رجب ليست مرتبطة بمعاذ بن جبل، وإنما بقدوم علي بن أبي طالب وموالاة اليمنيين له.

 وهذه السردية مختلفة اختلافًا جذريًّا عن السابقة؛ لأن عليا ليس فقيهًا والتحلق حوله ليس تحلقًا حول الفقه والدين بقدر ما هو تحلق حول رجل يمثل السلطة الدينية لآل الرسول، وبالتالي فإن نصرة اليمنيين لعلي هي نصرة لعلي وأولاده في حقهم في الحكم والسلطة.

تتحول هذه السردية إلى تفرع طائفي بقدوم الإمام الهادي إلى اليمن وتأسيس الدولة الزيدية. 

ذلك الدخول الذي سيرتبط بالانقسام الاجتماعي لليمنيين إلى يمن أعلى ويمن أسفل. 

بقدوم الإمام الهادي ستصبح جمعة رجب تاريخًا تأسيسًا لموالاة اليمنيين لآل البيت عمومًا، وسترتبط صحة إسلام اليمنيين بهذه الموالاة وليس باتباعهم للإسلام وشريعته فقط؛ لأنه لا إسلام حسب هذه السردية إلا عبر اتباع واحد من آل بيت الرسول، وستتحول جمعة رجب إلى أيديولوجيا سياسية تحصر دور اليمنيين في بعد واحد فقط هو النصرة والتضحية بالنفس والمال من أجل تمكينهم.

بظهور حركة الإحياء الزيدي بعد 1990، وصعود الحوثية ستتخذ جمعة رجب شكلها الكامل كأيديولوجيا سياسية شمولية تعيد تعريف اليمني واليمن والإيمان بشكل جذري.

 في هذه الأيديولوجية هناك طرفان؛ الأول هو "أعلام الهدى"، والثاني هم اليمنيون بشكل عام.

 دور أعلام الهدى هو الحكم السياسي والاجتهاد الديني الحصري، ودور اليمنيين هو القتال والتضحية والاستشهاد من أجل نصرتهم..!!

بناء على هذا البعد الأحادي الاستبدادي للهوية، تنحصر هوية اليمنيين في الإيمان فقط، وهي هوية محددة مسبقًا، وليست نتيجة لحوار مجتمعي، وهي هوية ثابتة وأبدية. 

فإذا انتقل اليمنيون من الإيمان إلى الإسلام تكون صحة إسلامهم مرتبطة بالولاء لآل البيت من ناحية، وبالتضحية والاستشهاد من أجلهم من ناحية أخرى.

إن الحديث عن جمعة رجب ليس حديثًا تاريخيًّا محسومًا ولا بريئًا من التوظيف السياسي، لكنه حديث مليء بالصراعات الظاهرة والخفية.

لم تكن جمعة رجب نقلة تاريخية في حياة اليمنيين من الصراع والفوضى إلى الاستقرار والهداية، حسب التاريخ المقدس، لكنها كانت مجرد نقطة أخرى في سقوط اليمن في أتون الصراع السياسي الدولي للقوى الكبرى الأمس واليوم.

ومن الخطورة بمكان استخدام التواريخ الدينية المقدسة لتحديد هوية شعب متعدد الانتماءات؛ لأن المقدس يلغي الإنسان ويحوله إلى مجرد وسيلة لا قيمة لها من أجل غايات إلهية غامضة.

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك