د. عبدالملك المخلافي

د. عبدالملك المخلافي

تابعنى على

ورحل أحد أبرز قادة اليمن ورجال الدولة الكبار

Thursday 26 August 2021 الساعة 05:27 pm

رحل الأربعاء 25 أغسطس 2021، عن دنيانا  إلى رحمة الله في القاهرة الأستاذ /محسن أحمد العيني أحد آخر الرجال الكبار من جيل التنوير والتغيير.

 الجيل الذي مهد وصنع وفجر ثورة 26 سبتمبر الخالدة وثورة 14 أكتوبر المجيدة وخاض معاركهما حتى الانتصار وحقق الوحدة اليمنية. وأحد أبرز رجال الدولة الذي بدأ رحلته العملية في التنوير والتغيير شابًا يافعاً من منطقة بني بهلول في خولان بريف صنعاء التي أوصى أن يدفن فيها، ليلتحق ببعثة "الأربعين" الطلابية الشهيرة أواخر الاربعينات إلى لبنان ومصر وليبعث للدراسة الجامعية في فرنسا لمدة عامين قبل أن يعود مضطرًا منها بعد قطع منحته لدراسة الحقوق في جامعة القاهرة وليصدر كتابه الأول "معارك ومؤامرات ضد قضية اليمن"، ويقوم بعدها بتعريب كتاب الطبيبة الفرنسية كلودي فايان "كنت طبيبة في اليمن"، الذي فضح وضع اليمن المتخلف في عهد الإمامة العنصرية البغيضة.

 وعندما قامت ثورة 26 سبتمبر كان أول وزير خارجية للجمهورية الوليدة التي حققت حلم أجيال من اليمنيين للخلاص من عهد ظلام وعنصرية واستبداد الإمامة.

 وتنطلق مسيرته في الدفاع عن الثورة والجمهورية كمندوب دائم لليمن لدى الأمم المتحدة وكسفير في عدد من أهم الدول ويليها ويتخللها كرئيس للوزراء لخمس مرات، أربع منها في عهد القاضي الإرياني وواحدة في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي وقع خلالها عام 1972 اتفاق القاهرة أول اتفاق وحدوي بين شطري الوطن اليمني.

وفي مسيرة الرجل كلها كان بحق أحد رجال اليمن الكبار وأحد قادة التنوير والتغيير وسيبقى كذلك في تاريخ شعبنا لمن اتفق معه أو اختلف معه.

طور محسن العيني من بداية حياته _وباستمرار وحتى رحيله- معارفه وثقافته واطلاعه واحتفظ بعلاقات واسعه يمنيًا وعربيًا، حتى بعد تركه للوظيفة العامة والعمل الدبلوماسي كسفير الذي شغله في الفترة الأخيرة من عمله الرسمي وكان له حضوره وتواصله السياسي والاجتماعي والثقافي بحيوية ونشاط حتى رحيله.

عرفت الرجل عن قرب لعقدين من الزمن على الأقل وشاركت معه في أنشطة ومناسبات  عديدة يمنيًا وعربيًا، وخاصة في إطار مركز دراسات الوحدة العربية والمؤتمر القومي العربي الذي كان يحرص على استضافه أعضائه في منزله بصنعاء كلما عقد في اليمن أو عقدت أمانته العامة.

وكان الرجل بخبرته الطويلة وثقافته نموذجًا للسياسي الوطني والقومي الحريص على شعبه وأمته والمخلص لقضاياها الكبرى، ومثالاً للحكمة والاتزان والتواضع والمودة في علاقاته الإنسانية والشخصية، ولكل ما يمثله الراحل وجيله وأدواره في تاريخ اليمن المعاصر.

 أدعو جيل الشباب من اليمنيين إلى الاطلاع على مسيرته ومسيرة الرجال الأفذاذ من جيل التنوير والتغيير، الجيل الذي صنع الثورة والجمهورية والوحدة للتعلم منها، فما أحوجنا اليوم إلى استلهام مسيرتهم الخالدة والمجيدة في الظروف التي تعيشها اليمن بعد عودة الإمامة بنسختها الحوثية وغياب السلام والاستقرار وتدمير الدولة والوحدة الوطنية والحروب والتمزق وعودة أفكار الانقسام والطائفية والتفكير الظلامي المتخلف والعمل  لتجاوز الإخفاقات التي رافقت مسيرة الجمهورية والتي أدت لعودة الإمامة لتطل بقرون الشيطان مجدداً بعد نصف قرن من الثورة والجمهورية، وخلق جيل جديد من رجال ونساء التنوير والتغيير، جيل مسلح بتجربة الرجال الأفذاذ من أمثال محسن العيني وثقافتهم وإخلاصهم وأخلاقهم ومتجاوز للاخفاقات الماضية وقادر على استلهام مستقبل أفضل لا انتكاس فيه ولا ارتداد وردة. 

محسن العيني إلى جانب دوره كرجل دولة فذ ورفيع فهو أولاً وأخيراً رجل تنوير وهذا ما يجعله مميزاً حتى بين أبناء جيله، وما أحوجنا إلى رجال تنوير ينيرون الطريق في زمن عاد فيه الظلام. 

ولدي الثقة أن بين صفوف شعبنا من هو قادر على أن يقوم بهذا الدور، بل إن المحنة التي يعيشها الوطن بدأت بإبراز من أثق أن تاريخ شعبنا سيذكرهم ذات فجر قريب تنتصر فيه قيم التنوير والثورة والجمهورية والتعدد والاعتراف بالتنوع والوحدة، وسيذكر أدوارهم ويخلدها كما نتذكر اليوم أدوار الراحل الكبير محسن العيني وكل جيل التنوير والتغيير والجمهورية.

رحم الله الفقيد الكبير محسن أحمد العيني وغفر له وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنة مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً.

خالص العزاء والمواساة لأبناء الراحل الكبير هيثم وطارق ولابنته وللأخ محمد علي أبو لحوم زوج ابنته وأولاً لرفيقة دربه الأديبة والمثقفة الوطنية والقومية، المرأة المتميزة التي كانت نعم الرفيقة والزوجة والسند والشريك للراحل الأخت القديرة عزيزة عبدالله أبو لحوم، وإلى كافة أسرتي العيني وأبو لحوم وكافة أسرة ومحبي الفقيد الكبير.

كما هي لشعبنا اليمني العظيم الذي فقد أحد أبنائه الأفذاذ المخلصين.

البقاء لله، والبقاء لليمن الكبير ولشعبه صانع الحضارات، والبقاء للجمهورية الخالدة.

"إنا لله وإنا إليه راجعون".

*من صفحة الكاتب على الفيسبوك